مستخدم:Burhan Alkhatib
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الروائي برهان الخطيب 1944-
ياسين النصير
1
ولد القاص برهان الخطيب في محافظة بابل عام 1944 كما يدون ذلك في كتبه ، اكمل الابتدائية فيها والثانوية. ومنذ الصغر كان ولعه بالعلوم الرياضية واضحا فقد قبل في كلية الهندسة وتخرج فيها عام 1967وهي السنة التي أصدر فيها أولى مجموعاته القصصية " خطوات في الأفق البعيد. وفي هذه المجموعة تتلمس مدى قدرته على المزاوجة بين فنون الحكاية وسياقات الحدث الاجتماعي." وبرهان الخطيب احد كتاب الستينات الذين بدأوا بكتابة القصة وخلفهم تجربة سياسية مريرة،ولأنه من الجيل الذي لم يعد مقتصرا على الشعراء فقط ،فقد حاول كتابة النقد والعمل بالصحافة، لكنه لم يستطع التواصل بين رغبته في كتابة القصة والعمل مهندساً. ومن يستقرئ مفدرات كتاب جيل الستينات في العراق يجدهم جيلا للقصاصين والنقاد والصحفيين والفنانين التشكيلين والمسرحيين.أنه جيل الموجة الابداعية الثالثة في العراق بعد موجتي الابداع الاولى كانت في العشرينات وقادها محمود احمد السيد وحسين الرحال ، والخمسينات التي قادها بدر شاكر السياب ونازك والبياتي وجواد سليم وعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر وآخرين. وفي أواسط الستينات وبالذات بعد نكسة حزيران، ظهرت في العراق موجة ابداعية ثالثة وكبيرة اسوة ببلدان العالم، شملت مختلف فنون القول والصورة والتشخيص والنقد. وما زالت هذه الموجة من المبدعين مؤثرة في الكتابة وفي الثقافة. وللآن لم تدرس بما فيه الكفاية عدا الشعر في حين ان مناحيها المختلفة جعلت من الأدباء كلهم في مصاف الخلاق الجدد لتاريخ من الاشكال الفنية. وفي كل هذه الفروع كان الهم الأبداعي هو هاجسهم الاول. القاص برهان الخطيب كزملائه القاصين واحد من ابناء هذا الجيل المرتبك السياسة المتطلع للتجديد،فقد مزج في كل ما كتبه ، بين هموم الذات المتطلعة الشابة الممتلئة بالحس النقدي وبين الهموم الاجتماعية - السياسية الممتلئة بها شوارع الحياة وفروعها المحلية.. لكنه كان من بين اضعف القاصين في بدايته اداة في انجاز هذه المزاوجة. ولما لم يتستطع المواصلة بسبب الضائعة الامنية والسياسية له هاجر إلى موسكو للدراسة. ومن هناك بدأ يمتهن الفن الروائي مهنة العارف بتفاصيله ودقائقه الفنية بعد أن وجد في الدرس الاكاديمي ما يغني هذه الرغبة. ومن يقرأ نتاج الستينات بعين اكثر فصاحة يجد ان معظم كتاب تلك المرحلة يتشابهون في زوايا الرؤية للاحداث ومختلفون في أساليب المعالجة الفنية، وفي طرائق السرد و تنوع الضمائر، والسياق العام للمبنى الحكائي وللمتن الحكائي. وهذا ما جعل قاصا مثل برهان الخطيب ينتج كما ينتج زملاؤه، فنا واقعيا معبرا عن احداث معاشة، ولكن باثواب سرد جديدة مغايرة لما كان عليه سرد القصة الخمسينية.. رغم أن النقد لم ينصف برهان بما يكفي . بعد أن أوفد إلى روسيا في اوائل السبعينات تخلى عن الهندسة كليا، ليدرس الأدب في جامعات موسكو. وفي سنوات دراسته هذه لم ينقطع عن الرؤية للواقع العراقي ولو من بعيد. لكن موسكو بما تملكه من حياة حديثة وصاخبة ومجالات قول لم تكن مألوفة للوافدين الجدد من الشرق المتخلف لنجد الكثيرين ممن درسوا فيها إما أن يستجابوا لجديدها وينغمروا في ملاهيها وايديولوجيتها، وبالتالي لم تتبن لهم ملامح خاصة،أو أنهم بقوا ملتصقين بتراب الذاكرة الوطنية وارائها ومشكلاتها إلى الحد الذي شكل للكثيرين منهم مرض الحنين إلى الوطن.. وبرهان جمع بين الاثنين، الانغمار في حياة موسكو الداخلية وإبقاء ذاكرته ملتصة بما مضى في العراق وبما عاشه فيه. لكنه في مرحلة لاحقة تأخذه الحياة اليومية حد الإنغمار فيبتعد عن العراق سياسيا ويبقي العراق مدنا وتراثا وذاكرة. يقيم برهان الخطيب منذ عام 1978 يقيم في السويد لاجئا إليها من موسكو، بعد أن انحرفت به عجلة الزواج من الأجنبيات ولقى ما لقي من هذه الحال ما يجعله مدونا تجربة مريرة لخصها في روايته " سقوط اسبرطة." لبرهان الخطيب تسعة مؤلفات في القصة والرواية. فقد اصدر روايته الأولى " ضباب في الظهيرة" عام 1968، وهو ما يزال باحثا عن عمل. ومن أسمها ضباب في الظهيرة يدل على العتمة التي رافقت الوضع السياسي في العراق والمنطقة العربية بعد هزيمة حزيران 1967و من صعود قوى غير ديمقراطية في العراق. والمفارقة في العنوان مفارقة فلسفية وهي البحث عن الضوء في الظهيرة. ثم يصدر روايته الثانية المهمة التي تحدث عن التنظيمات السياسية في بغداد واسماها " شقة في شارع ابي نواس" عام 1972وفيها يعالج مشكلة الإضطراب السياسي للشباب في الستينات، عندما بدأت بواد التمرد على السياق الايديولوجي لليسار العراقي ثيمة شعبية. حيث تتحول الشقة إلى منتدى لنخبة خارجة لتوها من السجن تعقد اجتماعتها وسط ليل بغداد المظلم أملا في نور يطل من نافذتها المعتمة. فقد كان منحى الرواية هو البحث عن افكار جديدة خارج اطار الفكر اليساري المألوف. والمحى هذا شكل من اشمال التمرد الفكري لعدد من كتاب الستينات والذي اسس شكلا من اشكال التمرد الفني في طرائق السرد.. لكن الشقة المحاصرة من قبل اجهزة الامن في شارع أبي نواس محاصرة أيضا من قبل قصور افكار تلك الشلة الصغيرة من الشباب في احداث تغيير جذري على بنية دولة تعتمد القهر والعسف. . وفي موسكو للدراسة، وهو يواصل يستحضار بغداد ومشكلاتها في كتاباته مرة أخرى .ومن بينها ما حدث للأحزاب من تطورات وتغيرات جذرية. فيضمنها رواياته العديدية دون أن يفقد الصلة بتطورات الحدث الواقعي الذي يعيشه ذاتيا، وفاعلية فن الرواية الذي بدأ يقرأ عنه في كتب النقد. وبرهان كزميله القاص المبدع زهدي الداوودي كتابا صنعتهم احداث العراق لكنهم بعدوا مكانيا عنه فقل تعلق النقد بما أنتجوه. ينحدر برهان الخطيب من اسرة جلها مثقفون وفنانون. وساعده هذا المناخ الاسري أن يراجع قصصه نفر من اسرته مرارا. الامر الذي جعل الكتابة والفن بين افراد هذه الاسرة جزء من هويتهم السياسية. يعتمد في كتاباته القصصية على محورية التعامل مع محور الذات - المجتمع كمركز لسياقات السرد المتنوعة. وهذه المحورية تستقطب الآخر حد الالتصاق به، وتفترق عنه في آن واحد. فتبدو الحياة من حوله دوائر متموجة للقص، متجاورة ومفترقة تنبع من اصل واحد، وتتشتت في ربوع العالم مستجمعة هويتها المتشظية. وعندما تتابع قراءته لا تجد مسافة كبيرة بينه وبين الشخصيات الأخرى . وهذه ملاحظة وجدتها في العديد من نتاج الأدباء العراقيين في المنافي. فعندما تتسع الأرض تحت أقدامهم تضيق العبارة الفنية عندهم. أصدر برهان الخطيب في عام 1975 رواية الثالثة " الجسور الزجاجية" وطبعت في بيروت، وفيها يتحدث عن محورية الذات -الآخرالتي اشرنا إليها . ثم يصدر مجموعة قصصية بعنوان "الشارع الجديد" عام 1980 مؤكدا فيها الثيمة ذاتها. ولكن على تنويعات احداث قصيرة ومحلية. ثم يصدر رواية "نجوم الظهر عام 1991وهي ليست إلا تنويعا على تجربة الإحباط والموت العنيد ولكن الحياة تنمو من داخل نثارها القلق، فينشيء منها عمارة فنية في غاية الجودة. ثم يصدر روايته سقوط اسبرطة" أو " حب في موسكو" عام 1992لا يعيد فيها صورة عبد الله الصغير عندما يسلم مقاليد الاندلس للاجنبي كي ينجو ، بل هي سقوط المدينة اليونانية على يد الفرس ، ثم سقوط موسكو على يد العلاقة الزوجية المهشمة. التي هي سقوط لكل الارادات التي لا تحسن إدارة نفسها. إنها قصة تنتهي في ملفات البوليس، و في منافي الذات والهروب من حلم- اسبرطة - موسكو القديم تاركا زوجة واطفالا ومدن حلم. ثم يصدر رواية" ليلية بغدادية" عام 1993 وفيها يتحدث عن البنية الشعبية لقضايا الثأر والعار حينما تبنى سياقها الفني على فكرة المطاردة. هذه الفكرة التي لازمت برهان منذ أول عمل له " خطوات في الأفق البعيد" فتتحول الخطوات هناك إلى مطاردة هنا. في هذه الراوية لا يختلف مبناها ومفردتها عن محورية برهان في الكتابة وهي البحث من خلال البنية السلبية في الفكر عما يعيد لبغداد وجهها القديم. وهذه المرة يختار شخصيات شابة لها طومحات مختلفة. الكل تبحث عن سعادة ما، وعن آمان مفقود. وكأن بغداد مطلقة السلم، ومطلقة الحرب. هكذا تصورها برهان في روايته" ليلة بغدادية" وقد كان مصيبا في ذلك.
في روايته "بابل الفيحاء" عام 1995 يعالج العلاقة المتوترة بين شخوص مختلفي الفكر والممارسة، بينهم من هو متطلع للتقدم وهو المعلم وما تحمله هذه المفردة من قيم تقدمية للعلم في سياق التطور الاجتماعي. وبين شخصية المتدين الذي يسلك مسالك تافهة لتخريب الاتجاه التقدمي. وبينهما شخصية ثالثة هي شخصية الطالب الحالم كجزء من بقايا الارث الثوري اليساري الذي يطرح على لسان الشباب طروحات متسرعة وفوضوية لتغيير العالم. وثمت مرأة تتقاسم الحضور بين هذا الجمع المتباين الرأي. فالشخصيات الموجود على ارض بابل كلها تتقرب للمرأة التي تتحول هنا إلى رمز للعراق. لكنهم لم يحضوا منها بنصيب. فصورة الأنثى الجميلة الآخاذة تجعل الجميع يدورون في فلكها دون أن تكون لاحد منهم. ونجد رمزية المرأة واحدة من الثيمات الكبيرة في الرواية العربية. زهرة في رواية ميرمار لنجيب محفوظ. تلك الفتاة التي يتقاسمها الجميع ولكنها تهرب من الجميع . وحسيبة أو الحسبة العراقية الهاربة من زوجها العامل في رواية غائب طعمة فرمان "ظلال على النافذة". فقد تحول رمز للمرأة المشتهاة المتمنعة، الى ثيمة سلبية تفجر في النص القيم الجمالية الجديدة. وله بعد ذلك عدد من الروايات والدراسات المترجمة عن الروسية بلغت اثني عشر كتابا.. تعالج روايات وقصص برهان الخطيب ثيمة العلاقات السابية كما قلنا، تلك العلاقة التي تبني نفسها في مناخ المفارقة الواقعية. وهي ثيمة مهيمنة كما يبدو في سياق فنه القصصي. فهولا يرى في الواقع إلا جدله. ولا يرى الحداثة التي تفرضها سياقات المدينة الحديثة إلا تلويثا وتخريبا لتلك القيم الريفية النبيلة. انه هنا لا يعاني من نوستاليجيا التراث، كما يتضح في العديد من صوره، بل يؤكد أن قيام الحاضر على تأصيل ناقص للتراث هو مثلبة فنية، تؤدي بنتائج سلبية على مجمل حركة المستقبل.