الطفيل بن عمرو الدوسي
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الطفيل بن عمرو الدوسي قدم مكة و محمد صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له :
- يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنَّه ولا تسمعنّ منه شيئا .
قال :
- فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فَرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه . فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا, فقلت في نفسي : واثُكْل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ! فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته . فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يُسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك . قال : فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه . فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه ،
فقال محمد :
- اللهم اجعل له آية .
قال :
- فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بِثنيَّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح ؛ فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم . فتحول فوقع في رأس سوطي . قال : فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، حتى جئتهم فأصبحت فيهم . فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني ؛
قال أبوه: ولم يابني ؟
فقال طفيل :
- أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال : أي بني ، فديني دينك ؛ فقال : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما عُلِّمت . فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم . ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ؛
قالت : لم ؟ بأبي أنت وأمي ؛ قال
- قد فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛
قالت : فديني دينك ؛ قال :
- فاذهبي إلى حِنا ذي الشرى فتطهري منه .
فقالت : بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ؛ قال :لا ، أنا ضامن لذلك ،
فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت . قال:
- ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت له : يا نبي الله ، إنه قد غلبني على دوس الزنا ، فادع الله عليهم ؛
فقال الرسول
- اللهم اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم .
قال : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأَسْهم لنا مع المسلمين . ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين حتى أُحرقه . فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار.
ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم . فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه
- إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حُلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتْني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حُبس عني ؛
قالوا : خيرا ؛ قال
- أما أنا والله فقد أولتها ؛
قالوا : ماذا ؟ قال
- أما حَلْق رأسي فوضعه ؛ وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ؛ وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأُغيَّب فيها ؛ وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني .
فقُتل باليمامة ، وجُرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر.
[تحرير] مصادر
- السيرة النبوية لإبن هشام_عبد الملك بن هشام المعافري