تاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية القبطية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



"تاريخ البطاركة" لمؤلفه: ساويرس بن المقفع الكتاب الذى نتكلم عنه هنا هو في الأصل مخطوط قديم من أهم المخطوطات التى تتناول تاريخ مصر منذ الاحتلال الرومانى [ القرن الأول الميلادى] و حتى حكم الخديو عباس حلمى الثانى [ اوائل القرن العشرين ] . و لعل ولع مؤلفه الأول ساويرس أبن المقفع بكتابته يعود إلى أن تاريخ مصر يمتاز بالخصوبة و الإنجازات و التفاعلات الهائلة التى تغرى دوماً بالتدوين .

المؤلف : ساويرس أبن المقفع :

 كل ما نعلمه عن حياة ساورى المعروف باسم "أبى البشر بن المقفع الكاتب" أو "أبى البشر      جا – رود الكاتب المصرى" ينحصر في ثلاثة تواريخ:

1- نوفمبر 950م، وهو تاريخ تأليفه لكتاب "تفسير الأمانة"، الذى استكمل به كتابه السابق لهذا التاريخ وهو كتاب "المجامع"، وهو رد على كتاب "نظم الجوهر" لسعيد بن بطريق البطريرك الملكانى المقرب للفاطميين. 2- سبتمبر 955م، تاريخ إعادة تفسير كتابه السابق. 3- سنة 987م، مساهمته في تحرير الرسالة المجمعية إلى بطرك السريان. هذه هى التواريخ الأكيدة، وكل ما يضاف بعد ذلك هو اجتهادات تحاول الاقتراب من الحقيقة.

                                                       *  *  *  *  *  *  *  *  *  *  *  *

ولد ساورى حوالى عام 915م من والد لقب بالمقفع ، وقد درج بعض الكتاب على استعارة معنى "المقفع" الذى عرف به عبد الله بن المقفع الكاتب الشهير الذى عاش في القرن الثامن الميلادى، والذى نقل كتاب "كليلة ودمنة" من "البهلوية" إلى "العربية" والذى اتهم باختلاس مال الخراج، فعوقب بالضرب على يديه حتى تفقعت" أى تشنجت، كما ذكر البعض في تفسير "المقفع" إنها تعنى "منكس الرأس أبدا". وحقيقة تفسير معنى "المقفع" ترجع غالبا إلى الكلمة المصرية "قفة" التى حرفت إلى "قفعة" .. ولكنها ما زالت تنطق حتى اليوم في لفظها الأول "قفة" وهى تطلق على وعاء من الخوص أو حبال ليف النخيل، يصنعه عادة الفلاحون في الريف المصرى، وكذلك الرهبان والمتصوفة، ولعل والد ساورى كان يمتهن هذه المهنة فاشتهر بالمقفع، أى صانع "القفع". أما السين المضافة إلى ساورى فهى من اللواحق المقدونية. تربى ساورى تربية علمية تليق بمثقف ذلك الوقت "القرن العاشر الميلادى" فجمع بين العلوم الدينية، والعلوم الدنيوية، فعرف الفلسفة التى كانت مزدهرة في الإسكندرية، وعلوم الكلام التى قرأها في مصادرها، وأتقن اللسان العربى الوافد وعمل في الوظائف الإدارية والدواوين.

       و لايخفى على القارى أن من أهم شروط وظيفة الكاتب في الدواوين حينذاك أن يكون متضلعاً في اللسان العربى الوافد ، قادراً على تطويعه وتطويره لمقتضيات العصر ، ومن هنا نكتشف مدى الجهد الشاق الواعى الذى بذله ساويرس لينقل إلى اللسان الوافد منجزات اللغة المصرية التى كانت أكثر تطوراً في صوتياتها و قواعدها و كتابتها ، ومحتوى الفاظها الحضارية و الدينية و الأدبية . فكان ساويرس هكذا واضعاً لأول قاموس للترجمة من اللسان العربى إلى اللغة المصرية [ لم يعثر بالطبع على هذا القاموس ، ولكن من المؤكد أنه كان عند ساويرس ليستعين به على ترجماته ] . 

ثم أخذ يتدرج في الوظائف، أيام حكم الأسرة الإخشيدية حتى أصبح كاتبا ماهرا، وكانت رتبة الكاتب آنذاك رتبة مهمة في الجهاز الإدارى للحكام الوافدين، وقد عرف في هذا الوقت بكنيته "أبى البشر ساورى ابن المقفع"، والشاهد على ذلك عنوان رسالته إلى الوزير القبطى أبى اليمن قزمان بن مينا، الذى كان يتولى الوزارة على ايام أبى المسك كافور الإخشيدى (966-968م) ونال ثقة الملك المعز لدين الله (972-975)، فقد جاء في عنوان الرسالة "نبتدى بعون الله وتأييده نكتب رسالة أنبا ساويرى أسقف الأشمونيين المعروف قبل رهبنته بأبى البشر ابن المقفع الكاتب، إلى أبى اليمن قزمان بن مينا، عامل مصر (أيده الله!) فيما سأله من الكتاب إليه بمذاهب النصارى، على طريق الاختصار والإيجاز" . و لقد كان ساويرس يتمتع [كما هى عادة المصريين ] بروح فكاهية عالية تنبع من حدة ذهنه و حضور بداهيته ، يتضح ذلك من القصة التى ذكرها مؤلف المجلد الثانى ، ج. 2 ،ص 933طبعة جمعية الدراسات القبطية ، و هى : " أتفق أنه [ أى ساويرس ] كان جالس عند قاضى القضاه إذ عبر عليهم كلب ، و كان يوم الجمعه ، و كان هناك جماعه من الشهود ، فقال له قاضى القضاه : ماذا تقول يا ساويرس في هذا الكلب ، هو نصرانى أو مسلم ؟. فقال له : إسأله فهو يجيبك عن نفسه . فقال له القاضى : هل الكلب يتكلم ؟ إنما نريدك أنت تقول لنا . قال : نعم يجب أن نجرب [ نختبر] هذا الكلب ، وذلك أن اليوم يوم جمعه و النصارى يصوموه ولا يأكلوا فيه لحم ، فإذا فطروا عشيه يشربوا النبيذ و المسلمين ما يصوموه و لا يشربوا فيه النبيذ، و يأكلوا فيه اللحم ، فحطوا قدامه لحم و نبيذ فإن أكل اللحم فهو مسلم ، و إن لم يأكله و شرب النبيذ فهو نصرانى . فلما سمعوا كلامه تعجبوا من حكمته و قوة جوابه و تركوه ] .

ترهبه واختياره أسقفا بعد أن ترقى أبو البشر إلى أعلى المناصب الرسمية تخلى عن وظيفته ليترهبن في أحد الأديرة، ولا ندرى أين ترهب، ولا متى، كما أننا نجهل السبب الذى جعله يترك العالم، إلى حياة الرهبنة ، إلا أن هذا دليل قاطع عن تقواه، وورعه وخبرته بأمور السلطة التى خدمها وعرف عنها الغدر السريع، والانتقام لأتفه الأسباب. وفى ظل رهبنته أتقن ساويرس (ساورى) علوم الكتاب المقدس، وألف فيها باللغة العربية العديد من الكتب منها كتاب "الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين" الذى ينقسم إلى 15 بابا، يذكر فيه ساويرس 1161 (ألف ومائة وواحد وستون) نصا كتابيا (هذا بصرف النظر عن التلميحات إلى نصوص من الكتاب المقدس )، منها 307 مرجع إلى العهد القديم، و 854 إلى العهد الجديد ، وترجمها جميعها بجهده الذاتى من اللغة القبطية إلى العربية، دون أن يسبقه إلى ذلك أحد، حتى ذُكر عنه "أنه لم يوجد في عصره من يضاهيه في معرفة الكتاب المقدس". كذلك معرفته لآباء الكنيسة تفوق مستوى معاصريه، ففى نفس كتاب "الدر الثمين"

المذكور، قد أحصى الناشر الألمانى لهذا الكتاب 191 مرجعا لآباء الكنيسة، سوى نصوص أخرى لم يعتبرها من التراث الآبائى.

علاقته بالملك المعز : كانت علاقة المعز بالبطرك إبرام (افراهام) علاقة طيبة، حتى حسده الوزير اليهودى "يعقوب بن كلس" ولما كان ساويرس من أصدقاء إبرام البطرك، وأكبر علماء الكنيسة في ذات الوقت، كان كثيرا ما يتردد على ديوان الملك وكان المعز يدعوه للمناظرة مع أئمة المسلمين واليهود في حضوره "ودفعات كثيرة جادل قضاة من شيوخ المسلمين بأمر الملك المعز".

أهميةمخطوط [ تاريخ البطاركه ] و مصادره : من بين المصادر التى يعتمد عليها الباحثون في تاريخ مصر تحت الحكم الاسلامى في العصور الوسطى ، كتب أرخها كتاب مسيحيون من مصر و غيرها من البلدان ، مثل سعيد أبن بطريق ، البطرك الملكانى بمصر و المعروف بأسم " أوتيخا " صاحب كتاب " التاريخ المجموع على التحقيق و التصديق " [ توفى سنة 940م ] ، و يحيى أبن سعيد الأنطاكى [ توفى سنة 1066م ] صاحب كتاب " التاريخ " أو " صلة كتاب سعيد أبن بطريق " ، و أبن مماتى [ توفى سنة 1209م ] صاحب كتاب " قوانين الدواوين " . و أبن العبرى " أبو الفرج أبن هارون الملطى ، توفى سنة 1286م " صاحب كتاب " تاريخ مختصر الدول " و أبن العميد المعروف بالمكين ، توفى سنة 1292م " صاحب كتاب " تاريخ المسلمين " . أما صاحبنا ساويرس فقلما يعرفه العلماء و الطلاب الباحثون في تاريخنا الوسيط ، و لعل ذلك يرجع إلى أن ساويرس عنون مؤلفه بأسم " تاريخ البطاركة " فظنه الباحثون أنه لايهتم بتاريخ مصرو هذا غير صحيح .

 وقد جمع ساويرس معلوماته وأخباره مما وجده في الأديرة المختلفة مثل دير القديس أبى مقار [بوادى النطرون]  ودير نهيا [ بالجيزه ، لم يعد موجود الآن ]  وأديرة وادى هبيب (وادى النطرون) وغيرها من الديارات، ومما وجده في أيدى النصارى، ويذكر ساويرس أنه أضاف إلى معلومات الأوائل ما عرفه هو من سير ممن شاهدهم من الآباء ويذكر ساويرس أنه لاقى مشقة كبيرة في ترجمة الوثائق القبطية واليونانية. وأنه استعان ببعض القبط ممن كان لهم دراية باللسان القبطى او اليونانى. منهم الشماس ميخائيل ابن بدير والواضح بولس بن رجاء ، وقد ورد خبر الأخير في سيرة أنبا فيلوثاوس البطرك (63).

وقد أتم كتاب "تاريخ البطاركة" من أتى بعد ساويرس من الكتاب والأساقفة، ولكن الكتاب ينسب إليه، ولعل ذلك يرجع إلى أن ساويرس كان أول من تكبد جمع سير البطاركة وترجمتها من اليونانية والقبطية و رصد الوقائع التاريخية المعاصرة لهم . والمخطوط يستكمل مسيرة التاريخ المصرى منذ الحكم الأيوبى والمملوكى والعثمانى حتى الحملة الفرنسية وعصر محمد على ويختتم هذا كله بحياة كيرلس الخامس، البطرك رقم 112 الذى عاصر إسماعيل باشا والخديوى توفيق والخديوى عباس حلمى الثانى، اى حتى عام 1895 ، وكان أحد أعضاء مجلس شورى النواب، كما عاصر الثورة العرابية و الاحتلال البريطانى. و يبدوا من التراجم التى صنفها و جمعها ساويرس للبطاركة أنها كانت بمثابة تقويم أو روزنامه للكنيسة المصرية ، و أنها كانت تعتمد على المشاهدات و الأتصال بأبطال الحوادث أو كتابة الأخبار المتواترة حينذاك ، فهى أشبه شىْ بالمذكرات أو اليوميات ، ولا نتبين من كتابتها الرجوع إلى مؤلفات سابقة أو معاصرة ، اللهم إلا في النادر ، فنرى ساويرس يستشهد أحياناًبسعيد أبن بطريق لتأكيد صحة بعض ما يكتبه من أخبار . و في الغالب أن هذا المؤلف الروزنامة كان بطلب الحكام المسلمين من أجل معرفتهم بتاريخ الشعب المصرى و مذاهبه الدينية . وهكذا فهذا الكتاب يختلف في هدفه عن الكتب التاريخية العامة أو الخاصة ، و مع ذلك فهو يشترك معها جميعها في أن الدين كان يمتزج بالتاريخ امتزاجاً شديداً ، و هذه ظاهرة نلمسها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى كما نلمسها في التاريخ الأسلامى . و من هنا نرى أن ساويرس و إن كان قد أرّخ للبطاركة و للكنيسة المصرية القبطية في ظل الحكم الأسلامى ، غير أنه أشترك مع المؤرخين المسلمين و مؤرخى العصور الوسطى الأوربية في أنه مزج بين الدين و التاريخ .

       يتعرض كتاب ساويرس لتاريخ العصور الوسطى وطبيعى أن يركز ساويرس اهتمامه بتاريخ مصر، فيبين لنا كيف احتلها العرب، ثم كيف كانت معاملتهم للمصريين من النواحى الدينية والمالية والاجتماعية والإدارية.

كذلك يفصل ساويرس الكلام على الأحداث الهامة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية التى حدثت في العصر الذى اصطلحنا على تسميته "عصر الولاة" وهو الذى يبدأ بغزو العرب لمصر وينتهى بقدوم أحمد بن طولون إليها وتأسيسه الدولة الطولونية فيها، ويبين ساويرس انتقال مصر من التبعية للخلافة إلى الاستقلال الذاتى أيام الدولتين الطولونية والإخشيدية، ثم قيام الخلافة الفاطمية في مصر التى نافست الخلافة العباسية في بغداد لفترة من الزمن، كذلك يبين ساويرس علاقة البطاركة المصريين بولاة مصر وأمرائها وخلفائها من ناحية، ثم علاقة هؤلاء البطاركة بالنوبة والحبشة وشمال أفريقيا والشام من ناحية أخرى. ولا شك أن ساويرس يشترك مع بقية المؤرخين في ذكر كافة الأحداث الهامة مع العناية بشئون مصر على غرار المؤرخين المصريين مسلمين كانوا أم مسيحيين، لكنه يمتاز عليهم جميعا بأن كتابه له قيمة الحوليات، والمذكرات والمصادر المعاصرة له. ولا يهمنا الآن الحديث فيما اشترك فيه ساويرس مع بقية مؤرخى الخلافة الإسلامية، وإنما يهمنا الكلام في حديثنا هذا على بعض ما انفرد ساويرس بالكتابة فيه أو توضيحه. ولعل من أهم الأمور التى انفرد ساويرس ببيانها أو توضيحها ما كتبه عن مركز المصريين في ظل السلطة الإسلامية من الناحية الاجتماعية، ومدى تمتعهم بالحرية الدينية، وقيامهم بشعائرهم، والاحتفال بأعيادهم، وبناء أو تجديد كنائسهم، وعلاقة المصريين بالمسلمين في مصر وفى غيرها من البلدان، وموقفهم من الحكومات الإسلامية المتعاقبة على مصر.كذلك أفاض ساويرس في حديثه عن نشر الإسلام في مصر ، بل أنه في بعض الحيان يعطينا أرقاماً بعدد الذين تحولوا إلى الدين الإسلامى في ظل الظروف الإقتصادية القاسية تخلصاً من الجزية و الخراج . و قد أكد ساويرس أن العرب منذ البداية ، أنتصروا لكنيسة اليعاقبة الأرتدكسية [ المصرية ] على اعداءهم في المذهب و هم الملكانيين [ البيزنطيين ] وغيرهم . فقد أعتبر الأقباط أن الملكانيين أتباع الملك البيزنطى ، و أنهم ليسوا أعداءهم في المذهب الدينى فقط و إنما أعداءهم في القومية . كذلك آزر الحكام العرب الكنيسة المصرية بأعتبارهم أصحاب البلاد ، و أعتبروا الملكانيين سنداً لأعداءهم البيزنطيين .

 كذلك يبين لنا ساويرس أن الأقباط شغلوا كثيرا من الوظائف في ظل السلطة الإسلامية وخاصة الوظائف المالية والادارية ، ويورد ساويرس في مناسبات مختلفة أسماء كثير من كبار الموظفين الأقباط.

ويشيد ساويرس بتسامح الخلفاء الفاطميين، اللهم إلا عهد الحاكم بأمر الله الذى كان يمتاز بالتقلب مع جميع المذاهب، بل إن ساويرس يذكر أنه في العصر الفاطمى أصبح "جميع مقدمى المملكة والناظرين في دواوينها وتدبير أمورها كلهم نصارى". أما عن انتشار الإسلام في مصر منذ أواخر عصر الولاة، فيتضح لنا مما كتبه ساويرس أن العامل المالى من أهم العوامل التى حولت أغلبية الأقباط إلى اتباع الدين الإسلامى. ويتضح من كتابات ساويرس أن الرهبان كانوا يبغضون السلطة الإسلامية لأنهم كانوا يفلتون في البداية من دفع الجزية والخراج إلى أن بدأ والى مصر عبد العزيز ابن مروان (684-705م) سنة فرض الجزية عليهم. فمن المعروف أن الرهبنة كانت منتشره حينذاك في مصر ، و قد ساعد على أنتشارها ما وقع للمصريين من ظلم و إظطهاد زمن البيزنطيين ، ففضل الكثيرون أن يعيشوا في عزلة عن العالم منفردين أو جماعات في أديرة ، و لما كان الراهب لا يملك شيئاً و يعيش في عزلة ن العالم ، لذا لم تفرض عليه أى ضريبة في عهد الرومان و البيزنطيين ، بل أعفيت الأديرة و الرهبان من الضرائب . و لما أحتل العرب مصر حافظوا على هذا التقليد تقريباً من الكنيسة المصرية و ما لبث الحكام المسلمين أن فطنوا إلى أن الأديرة أصبحت تملك ثروات ضخمة ، و إلى أن كثيراً من الأقباط لجئوا إليها كى يتخلصوا من الضرائب. و لذا نرى حاكم مصر عبد العزيز أبن مروان [ و هو أخ للخليفة عبد الملك أبن مروان ] يأمر بإحصاء الرهبان و فرض الجزية عليهم . كما أنه الزم الأساقفة بأن يؤدوا قدراً معيناًمن المال سنوياً بالأضافة إلى خراج الأديرة و الكنائس . و كانت السلطة الإسلامية تفرض أشد العقاب على الرهبان أو رجال الدين الفارين من الأموال المفروضة عليهم ، كما كانت تتشدد في جمع الجزية من المصريين . و يبين ساويرس أن كثيراً من المصريين أسلموا ليتخلصوا من الجزية و الضرائب المفروضة عليهم ، كما يذكر أن الأقباط الذين بقوا على دينهم قاموا بمقاومة سلبية ضد الحكام المسلمين تنطوى على الهروب من مكان إلى مكان ، و هجر الأراضى الزراعية ، و ذلك منذ خلافة الوليد أبن عبد الملك [ 705ـ714م ] . وفى أثناء حكم أخيه عبد الله أبن عبد الملك أصدر نائبه في مصر أمر بوشم الفارين من الجبايات المالية . و استمرت حركة الهروب في حكم قرة أبن شريك و أتخذت شكلاً واسعاً ، فيذكر ساويرس أن الأسرة بأكملها كانت تهرب من مكان إلى مكان فراراً من الأموال الباهظة المطلوبة منهم .و أضطر قرة أبن شريك إزاء هذا إلى إنشاء هيئة خاصة مسلحة لوقف تلك الحركة و إعادة كل هارب إلى موضعه . و ظل قرة يقاوم تلك الحركة بنشاط حتى توفى سنة 714م . و يؤكد كلام ساويرس ما استخلصناه من الأوراق البردية العربية و اليونانية التى ترجع إلى عهد هذا الحاكم . و من بعد قرة أبن شريك حكم مصر أسامة أبن زيد التنوخى في خلافة سليمان أبن عبد الملك ، وتشدد مثله في طلب الخراج و الجزية ، و أسلم الكثيرون في أيامه كى يتخلصوا من الأعباء المالية . ولكن حركة الهرب استمرت من جانب الذين أثقلت كاهلهم الأعباء المالية و الجزية و لم يرغبوا في أعتناق الإسلام . ولكى لايتمكن أحد من الهروب من منطقة إلى أخرى عملت سجلات للأهالى بمحلات اقامتهم ، و ألزم كل شخص يريد الإنتقال من جهة إلى أخرى ، أو يريد ركوب سفينة أو النزول منها أن يحمل معه سجله . أما من يفقد سجله أو يتلفه فقد ألزمه الحاكمبالحصول على سجل آخر مقابل دفع خمسة دنانير . والواقع أن ساويرس هو المؤرخ الوحيد الذى كتب و فصل لنا الكلام عن حركة الهروب ، تلك الحركة التى تنطوى على مقاومة المصريون لسلطة الحكام المسلمين مقاومة سلبية بعدما أصبح الألتجاء إلى الأديرة لا يعفيهم من الألتزامات المالية الباهظة منذ الخليفة عبد الملك أبن مروان و أخيه عبد العزيز . كذلك يذكر ساويرس أن الخليفة العباسى الأول [ أبو العباس عبد الله السفاح ] وعد في حالة مساعدته على القضاء على بقايا الأمويين ، خاصة في مصر و افريقيا ،أن يعفى من الجزية كل من يعتنق الدين الإسلامى ، فتخلى كثير من المسيحيين ، أغنياء و فقراء ، عن دينهم و أعتنقوا الدين الإسلامى بسبب فداحة الجزية و الأعباء الملقاةعليهم أملاً في ذلك ، وهذا ما لم يتحقق . ومما لاشك فيه أن الأمثلة التى يوردها ساويرس ، و التى تبين أن الأقباط الأغنياء ضجوا من الجزية الباهظة كما ضج منها الفقراء ، تظهر أن الجزية كانت المورد المالى الرئيسى الذى عنيت به السلطة الإسلامية ، و أنها كانت أمراً ثقيلاً ، و لم تكن بالضريبة الهينة و إلا لما حملت الكثيرين على التخلى عن دينهم .

على أن الأقباط بدءوا منذ سنة 725 في التخلى عن مقاومتهم السلبية وأخذوا يقاومون سلطة الحكام المسلمين مقاومة إيجابية وذلك بالقيام بالثورات العلنية ضدهم.

ثورة البشمور: وحين بدأ المصريون الأقباط يثورون ضد سلطة الحكام المسلمين بسبب مطالبهم المالية المجحفة، أنتهز المسلمين الذين زاد عددهم في مصر وأصبحوا يملكون أراضى خراجية، شريكا لهم في تلك الثورات. ولذلك نرى سائر مؤرخى مصر المسلمين يشتركون مع ساويرس في ذكر تلك الثورات بل يفصلون الكلام أحيانا فيما لا يفصل فيه مؤرخ البطاركة. وقد تعددت ثورات المصريين وشملت الوجهين البحرى والقبلى. وكان أعنف هذه الثورات تلك التى كان يقوم بها أهل البشمور أو البشرود، وهى المنطقة الرملية الساحلية بين فرعى دمياط ورشيد. ولقد ظل المصريون الأقباط يقومون بالثورة بعد الأخرى طوال القرن الثامن الميلادى وكانت حكومة العرب تقابل تلك الثورات بالقوة. وكان يتبع إخماد تلك الثورات في العادة تحول عدد كبير من الأقباط إلى الدين الإسلامى. وكان آخر تلك الثورات تلك التى انتهت في بداية القرن التاسع الميلادى (832 م) بمجئ الخليفة المأمون وإبادته للثائرين والتى كان من نتائجها أن أصبح الإسلام أغلبية في القطر المصرى. ويخبرنا ساويرس عن هذه الثورة فيقول أن الخليفة المأمون صحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية وأنه استعان به وببطرك الأقباط الأنبا يوساب، لإخماد ثورة البشموريين وسير إليهم قائدة الأفشين لمحاربتهم، ثم سار إليهم بنفسه وجحافله وقضى على حركتهم. يتضح لنا مما كتبه ساويرس أن الشعور الوطنى كان ضعيفا بين المصريين آنذاك، فلم يكن في ثورات المصريون الأقباط ضد سلطة الحكام المسلمين عنصر وطنى، بل كانت كلها بسبب الضرائب والجزية إما لحمل الحكام المسلمين على تخفيفها وعدم اتباع القوة في جبايتها، وإما للهرب من دفعها. ولعل ضعف هذا الشعور الوطنى كان أكبر عون للحكام المسلمين للقضاء على حركات المصريين. كذلك يذكر ساويرس أن الخليفة المتوكل على الله العباسى (232-247 هـ= 847-861 م) أمر بهدم الكنائس وأن يتميز المسيحيون واليهود في لباسهم عن المسلمين كما أمر أن يشغل الوظائف المسلمون فقط، ويذكر ساويرس أن كثيرين أسلموا حينئذ إما لحاجتهم وفقرهم، وإما رغبة منهم في الإبقاء على مناصبهم. والواقع أن مؤرخى الخلافة يشتركون مع ساويرس في تفصيل اضطهاد المتوكل لأهل الذمة المصريين.

لكن من الملاحظ أن التشريعات التى كانت تصدر ضد أهل الذمة، لم تكن تنفذ كاملة في بعض الأحيان خوفا من ازدياد التذمر واندلاع الثورات، وكان أثرها يخف كثيرا إلى أن تقوم تشريعات جديدة لتأكيدها. ولعل أبلغ مثل لذلك أن ساويرس نفسه يعود فيمتدح المتوكل مدحا كثيرا، فيقول أنه في أواخر أيام المتوكل استقامت أمور النصارى وأسبغت عليهم النعم العظيمة. ومن الأمثلة الصارخة التى يبين فيها ساويرس إسلام الكثيرين بسبب الفقر و قلة ما معهم من المال ما حدث في خلافة المنتصر العباسى [ 861 ـ 862م ] حينما ولى خراج مصر أحمد أبن المدبر ، إذ فرض هذا الوالى ضرائب باهظة على الأديرة و الكنائس و على المصريين عامة مما دفع الكثيرين إلى التحول إلى الإسلام تحت أمل إعفائهم من الجزية و الخراج . ويحدثنا ساويرس عن شخصيات من رجال الدين الأقباط الذين خرجوا للشكوى في مقر الخلافة العباسية ببغداد من الأعباء المالية ، و مثل ذلك خروج أحد رجال الدين من مصر و أسمه إبراهيم إلى مقر الخلافة في أيام المعتز [ 866 ـ 869م ] يشكو تعسف أبن المدبر ، فأصدر الخليفة أمراً بالتخفيف عن النصارى، ثم أكد هذا الأمر الخليفة المهتدى [ 896 ـ 897م ] الذى أمر بأن يرد إلى النصارى ما أغتصب منهم من المنقولات و الأراضى . وقد أتيح للأكفاء من أهل الذمة في مصر و في مختلف أنحاء الخلافة أن يتقلدوا وظائف مختلفة بالدولة و أن يزداد نفوذهم حتى وصل بعضهم للوظائف العليافى الإدارة ، كما وصل آخرون إلى أن يصبحوا الكتاب الرئيسيين و الوزراء عند بعض الولاة و الأمراء و الخلفاء ، و ذلك لحاجة الجهاز الإدارى الإسلامى إليهم بسبب خبرتهم الغير متوفرة عند غيرهم . و كان هذا يؤدى في بعض الأحيان إلى احتجاج فقهاء الدين ، و ثورة المسلمين أصحاب المصلحة مطالبين بالحيلولة دون سيطرة أهل البلاد على الجهاز الإدارى ، مما كان يستتبع ذلك إصدار التشريعات تبعد أهل الذمة عن الوظائف الإدارية بل و تلزمهم بألتزام زىّ يميزهم عن المسلمين . الأسكندرية : ونلاحظ أن ساويرس يعنى بالتأريخ للإسكندرية عناية خاصة ، وليس هذا بمستغرب فالإسكنرية كانت مقرا لبطركية الأقباط ، ولذا نراه يسميها في معظم الأحيان المدينة العظمى . و يؤكد ساويرس في مناسبات مختلفة ما نستشفه من سائر المصادر بأن الأسكندرية كانت منذ الأحتلآل اليونانى حتى حكم الأخشيديين تعتبر في معظم الأحيان جزءاً مستقلاً عن مصر حتى في القضاء . و لهذا عندما وصل إلى أحمد أبن طولون مرسوم توليته جميع بلاد مصر من الخليفة العباسى ، يذكر ساويرس أن هذا الأمر كان بخلاف ما جرت به العادة ، فإنه لم يكن بين والى الأسكندرية و والى مصر معاملة و لا خطاباً . كذلك يحدثنا ساويرس عن أهمية الأسكندرية التجارية فيذكر أنها احتفظت بتلك الأهمية حتى بعد غزو العرب لها فظلت ميناءاً تجارياً هاماً تأتيها التجارة براً و بحراً .

ويحدثنا ساويرس عن ثائر من سكان الإسكندرية من بنى مدلج قام بثورة في أواخر عصر الولاة في الوجه البحرى وانضم إليه جماعة كبيرة مقاتلة من أصحابه، ومن العربان وأخذوا يهاجمون عمال الخراج ويأخذون ما لديهم من الأموال . 

ويذكر أنه لما زادت جماعته، حاصر مدينة الإسكندرية، ولكنه لم يستطع فتحها بأى وجه من الوجوه، وذلك لوقوف حصونها حجر عثرة في سبيل ذلك، ولعدم وجود آلات لدك الحصون لدى الثوار، ومع ذلك فأنهم حاصروها ومنعوا الميرة من الوصول إليها عن طريق البحر والبحيرة الواقعة للجنوب منها . ويذكر ساويرس أنه لما طال حصار الإسكندرية اجتمع رؤساؤها وتشاوروا مع واليها واتفقوا على إحاطتها بسور كبير حولها. وقد اشترك في بناء هذا السور أهل الإسكندرية، إذ بنى كل صاحب دار أو أرض حائطا أمامه ووصله إلى حائط جاره، وبذلك أصبح للإسكندرية سور حولها وجعلوا له أبوابا، ولم يكن يفتح إلا باب واحد في المرة الواحدة وبذلك تحصنت الإسكندرية وأمن أهلها الأعداء. ولما وصل والى مصر مزاحم بن خاقان (253-254 ه = 876-868 م) استطاع أن يشتت هؤلاء الثوار الذين كانوا قد اتخذوا مراكز لهم بين بنا وأبو صير في الوجه البحرى فأعمل فيهم القتل بالسيف وأغرق آخرين وانهزم من بقى منهم في الجبال بالصعيد.

اللواتيون والشدة العظمى : ومن الأمور التى يوضحها ساويرس وتساعدنا على فهم الوضع الحقيقى للأمور ما يذكره عن الشدة العظمى التى حدثت أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى. فقد ذكر المؤرخون المصريون مثل ابن ميسر، والمقريزى، وأبى المحاسن ابن تغرى بردى، إن الشدة العظمى كان سببها انخفاض ماء النيل وانتشار الوباء في مصر حتى إنعدمت الغلات من أرض مصر وأكل الناس البغال والحمير والميتة ثم أكل بعضهم بعضا. ولكن مؤرخ البطاركة يبين بوضوح أثر القلاقل والفتن في إيجاد هذه الشدة، فقد عمت الفوضى والحروب بين الجند وخاصة بين السودانية والأتراك، فكانت القاهرة في يد الجند الترك، وكان الصعيد في يد الجند السودانية، وكانت الإسكندرية وجزء كبير من الدلتا في يد فريق آخر من الجند التركية تساعدهم قبائل قيس ولواتة. ويبين ساويرس تسلط اللواتين، وهى قبائل بربرية الأصل، على الريف ويذكر أنهم ملكوا أسفل الأرض أى الوجه البحرى، وأصبحوا يزرعونه كما يريدون بلا خراج ولم يهتموا بحفر الترع أو عمل الجسور وإنفردوا بالزراعة دون غيرهم وامتنعوا عن بيع الغلات، وكانت النتيجة أن رزئت مصر بفترة مجاعة قاربت من سبع سنين عرفت بالشدة العظمى (1066-1082م). وقد استطاع بدر الجمالى والى عكا الذى استدعاه الخليفة المستنصر لتولى الوزارة في مصر، أن يقبض على ناصية الحال فيها فأباد اللوتيين من الريف، وسار إلى الصعيد ففتحه ثم عاد إلى مصر وأقام بها ورتب الأمور فيها كما كانت عليه في السابق. ويذكر ساويرس أن أميرا عرف بكنز الدولة كان قد ملك الصعيد الأعلى فلما وصل بدر الجمالى إلى مصر هرب كنز الدولة إلى النوبة فأرسل بدر الجمالى رسولا إلى ملك النوبة كى يسلم له كنز الدولة وقد سلمه الملك لرسول بدر الجمالى الذى قتله وصلبه عند باب الحديد الذى يحدد ساويرس موقعه فيما بين القاهرة المعزية، وبين مصر أى الفسطاط أو مصر القديمة.

الحروب الصليبية: جردت الحملات الصليبية في الأصل لأغراض غير محاربة الإسلام و المسلمين إذ كان هدفها في البداية محاربة البابا لمخالفيه ، فقد جاء الصليبيون من شمال فرنسا إلى جنوبها لكى يقاتلوا الهراطقة الألبيجنسيين . فمنذ نهاية القرن الحادى عشر بدأت بوادر المقاومة ضد الكنيسة البابوية في روما و سيطرتها على شئون الحياة الأوربية ، وعند نهاية القرن الثانى عشر ذاعت الأفكار التى أخذ يواقيم الفلورى Jouchim Flora يدعو لها ، وقد لاقت افكاره الدينية الذيوع بسرعة ملحوظة . و سار يواقيم على نهج سان برنار الذى زعم أن العالم قد دخل عصر المسيح الدجال الذى يسبق قيام القيامة . و على حين أكتفى سان برنار بإدانة كبار الأساقفة على أعتبار أنهم أسرى الشيطان ، فإن يواقيم جعل البابوية نفسها هى المسيح المسيح الدجال . و قلب بذلك حق وراثة بابا روما للمسيح رأساً على عقب . وحاز شعبية واسعة لدى جميع الفرق المخالفة ، ونتج عن أفكاره هذه أن ظهرت عصبة جمعت حولها عدداً ضخماً من الأتباع في جنوب فرنسا تدعى الكارتاريون Czthari أى الأطهار أو الألبيجنسيون نسبة إلى بلدة Albi في مقاطعة تولوز و التى كانت معقلاً لهم . و عند نهاية القرن الثانى عشر كان سكان المدن الأثرياء و نبلاء تولوز و بروفانس إما أعضاء في الكنيسة الألبيجانسية و إما من المتعاطفين مع قادتها . و كانت البابوية في روما سنة 1200م ترى في السيطرة الألبيجنسية على جنوب فرنسا سرطان ينهش في جسد العالم المسيحى يجب استئصالهبأى ثمن ، لأنها رأت فيها ديانة مختلفة . و تطورت الأحداث بالشكل الذى أدى إلى إعلان بابا روما قرار حرمان على ريموند السادس أمير تولوز ، و إباحة أراضيه و أملاك الألبيجنسيين ، فتحمس لذلك أمراء شمال فرنسا و اندفعوا في حملة صليبية سنة 1209 قضت على الأمراء الأقطاعيين في جنوب فرنسا ، و إقتسموا إقطاعاتهم.كذلك يمكن أن نصور الغزو الجزئى الذى قام به الأنجلو ـ نورمان لأيرلندا على أنه نمط من أنماط الحروب الصليبية رغم أن ضحاياه كانوا من الكاثوليك . و مع نجاح الحروب الصليبية في أوروبا تم نقلها إلى الشام و مصر .

 وحين يحدثنا ساويرس عن الصليبيين وقدومهم إلى الشرق لا يعتبر أن هذه الحروب حرب بين المسيحية والإسلام. وإنما ينظر إلى الصليبيين كغزاة أعداء للشرق. ويعلق على امتلاكهم لبيت المقدس بأن الأقباط اليعاقبة سوف لا يستطيعون الحج لاختلافهم والصليبيين في المذهب الدينى. 

ولقد عرفت الأوساط الكنيسية الأوروبية كتاب "سير البطاركة أول ما عرفته تحت اسم التاريخ اللاتينى للكنيسة القبطية الذى كان قد نشره المستشرق الفرنسى يوساب رينوده . وطبع في باريس في القرن الثامن عشر (حوالى عام 1713م) تحت اسم "تاريخ بطاركة الإسكندرية" Historia Patriarcharum Alixandrinorum 4:Paris.1713 ولكن يعيب ما فعله هذا العالم إنه لم يستطع أن يترجم كل ما في مخطوط الكتاب والذى يحتوى على كم هائل من المعلومات المتعلقة بمعتقدات الكنيسة المصرية وشعائرها. وما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية بين الحكام المسلمين والأقباط، والحالة المزاجية لهؤلاء الأقباط وكذلك التاريخ العام لمصر. وقد نشر المستشرق إفتس B.Evctts المجلد الاول من كتاب ساويرس بعنوان "سير الآباء البطاركة" أو "تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية في الإسكندرية" ضمن مجموعة Patrologia Orientalis أى كتابات "آباء الكنيسة في الشرق"، وذلك في الجزء الأول من هذه المجموعة الذى نشر في باريس عام 1907م، والجزء الخامس، باريس عام 1910م، والجزء العاشر ، باريس عام 1915م. وتولت جمعية الآثار القبطية، مشكورة، نشر الأجزاء الباقية من هذا الكتاب بمعاونة الأستاذ يسى عبد المسيح أمين مكتبة المتحف القبطى سابقا والأستاذ برمستر مدرس اللغات القديمة بجامعة الإسكندرية سابقا والدكتور عزيز سوريال عطية أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة الإسكندرية سابقا. فقد نشرت الجمعية القبطية الجزء الأول من المجلد الثانى في القاهرة عام 1943، دون أن تعتنى بنشر الأجزاء الثلاث التى كونت المجلد الأول والذى سبق ونشرهم المستشرق إفتس B.Evetts بين عامى 1917،1915. ثم ظهر الجزء الثانى من المجلد الثانى في القاهرة عام 1948، ونشر الجزء الثالث من المجلد الثانى في القاهرة 1959، ثم تتابعت إصدارات بقية أجزاء المخطوط حتى اكتملت بصدور المجلد الرابع عام 1974، أى أن صدور المجلدات الثلاث الأخيرة استغرق حوالى 31 سنة، أما الفترة التى استغرقتها نشر المجلدات الأربع، ما بين باريس والقاهرة، فهى حوالى 65 سنة، هذه الفترة الطويلة أدت إلى ندرة وجود الكتاب في الأسواق بل وحتى في المكتبات العامة. وبالمتحف القبطى بالقاهرةمخطوطة كاملة لهذا الكتاب . وهى في أربعة أجزاء الأول والثانى في مخطوط تحت رقم 1 تاريخ (93عام) باسم تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسير البيعة المقدسة لساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ومن أتى بعده من المؤرخين، يحتوى على السير من مار مرقس إلى البابا شنوده الأول (البطرك 55) . نسخ في القرن الثالث عشر الميلادى. عدد صفحاته 133 ورقة، عدد أسطر الورقة حوالى 26 سطرا ، قياس الورقة 24×15 سم، بأوله حاشية مطالعة بالخط الكرشونى . أما الجزءان الثالث والرابع ففى مخطوط تحت رقم 1 ب تاريخ (94 عام) بنفس الاسم السابق. وهو يحتوى السير من البابا خايال (البطرك 56) إلى البابا كيرلس الخامس (البطرك 112)، يبتدىء من الورقة 133 إلى الورقة 233. رممه وأكمل السير من البابا كيرلس الثالث (البطرك 75) إلى الآخر، مرقس بن يوحنا جرجس سميكه باشا سنة 1898م بخطه عن نسخة بالدار البطريركية، بجدول تاريخ البطاركة. مقاس الورقة 24×15سم عدد أسطرها من 20 إلى 26 سطرا. 1- بالنسبة للجزء الأول من المجلد الثانى والذى يحوى سير ثلاث من البطاركة هم خايال الثانى، قزما الثانى، شنودة الأول الذين ارتقوا الكرسى المرقس من سنة 849 إلى 880م. تاريخ، محفوظة بمكتبة دار البطريركية القبطية تحت رقم (3أ) تاريخ، ويلاحظ أنه كتب في نهاية مخطوطة المتحف القبطى ما يلى : "كان الفراغ من نسخها يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر كيهك القبطى سنة ألف وأربعمائة (و) أربعة وثلاثين (1434) للشهدا الطهار". 2- بالنسبة للجزء الثانى من المجلد الثانى والذى يحوى سيرة عشرة بطاركة. من خايال الثالث (ميخائيل الأول) البطرك السادس والخمسين إلى شنودة الثانى، البطرك الخامس والستون. أرتقوا الكرسى المرقسى من سنة 880 إلى 1047م. فقد أخذ النص من مخطوطة المتحف القبطى رقم (1) تاريخ، جزء ثان، ثم استعين في سد ما بها من غموض أو نقص بمخطوطة مكتبة البطريركية بالأسكندرية رقم 3(أ) تاريخ. ويبدأ الجزء الثانى من الصفحة 133(ظ) بمخطوطة المتحف القبطى وهذه الورقة بالجزء الأول لصق عليها ورق شفاف وأعيدت كتابتها في صدر الجزء الثانى بمعرفة المغفور له مرقس سميكة باشا – وينتهى بالصفحة 282(ظ)، وبه أوراق مرممة يرجع تاريخ ترميمها إلى أوائل القرن التاسع عشر في أثناء بطريركية الأنبا بطرس السابع، البطرك 109 (1809-1853م)، وذلك بدليل ما جاء في عبارة واردة بالصفحة 203(ظ) نصها كالآتى : "أذكر يارب عبدك الحقير الذليل المسكين شنودة بالإسم قمص، خادم دير القديس العظيم البارانبابولا الكبير أول السواح الذى رمم هذه السيريرجوا بذلك العفو والمسامحة بغفران خطاياه بشفاعة من ذكرة (ذكرت) اسمايهم فيها. وكان ترميم ذلك يوميذ بالقلاية العامرة بالمحروسة في أيام رياسة السيد الأب الجليل المغبوط الطوبانى ريس الرويسا وسيد السادات الأب المكرم بكل نوع انبا بطرس البطرك التاسع والماية من عدد الأبا البطاركة أدام الله تعالى علينا رياسته سنينا عديدة وأزمنه متصلة سالمة هادية مديدة بالعمر الطويل والحياة السعيدة أمين". وعدد الأسطر في كل صفحة 26 سطرا، والصفحات الأخيرة بخط المغفور له مرقس سميكة باشا الذى أشار في أول صفحاته إلى أنه نقلها من النسخة المخطوطة بالدار البطريركية سنة 1898. ويتراوح عدد سطورها بين 18-20 سطرا. ويلاحظ مع شديد الأسف أنه عند تجليد هذه المخطوطة قصت حوافها فترتب على ذلك أن ضاعت بعض الكلمات المتطرفة على هوامشه وبالتالى صعوبة قراءة هذا القسم الذى تزداد صعوبته شدة وتعقيد بكثرة الأجزاء المطموسة أو المتآكلة من صفحاتها، وقد استعين بمخطوطة البطريركية في استعادة الأجزاء التى قصت في التجليد وإيضاح الأسطر المطموسة أو المتآكلة. وهذا الجزء كتبه الأنبا ميخائيل الدمراوى اسقف تنيس ليستكمل به ما كتبه "ساويرس" يؤيد ذلك الفقرة الآتية بالصفحة 133(ظ) : "قال الأب الفاضل انبا ميخائيل (الدمراوى) اسقف مدينة تنيس أن من الواجب احباى لأجل المحبة المسيحية أن تسطر ما آخر تسطيره مما كان في البيعة الأرتدكسية الذى شاهده وعرفه اوليك الرعاة في كل جيل". 3-بالنسبة للجزء الثالث من المجلد الثانى فإن واضعه هو يوحنا ابن صاعد (سعيد) ابن يحيى المعروف بابن القلزمى ونسخها عنه جرجه ابن مدكور، يؤيد ذلك الفقرة الآتية باخر الصفحة 167(ج) : "قال يوحنا ابن صاعد (سعيد) ابن يحيى المعروف بابن القلزمى ناسخ هذه السيرة في السيرة التى نسختها أنا المسكين جرجه ابن مدكور من نسخة بخط المذكور". ويشمل هذا الجزء سير ثلاثة من بطاركة الأسكندرية، هم خريسطو دولس البطرك (66) وكيرلص الثانى البطرك (67) وميخائيل الرابع البطرك (68)، جلسوا على الكرسى البطريركى منه سنة 1047 لسنة 1102م. وفى هذه السير معلومات هامة عن مصر في هذا الزمن، حيث كانت الخلافة للمستنصر ثم لابنه المستعلى من بعده، وكان بدر الجمالى وابنه الأفضل الحاكمين الحقيقيين للبلاد. وكان مقر البطريركية في زمن البطرك خريسطو دولس بدمرو، (وهى شمال المحلة الكبرى وغرب قرية بشبيش محافظة الغربية حاليا) التى يبدو أنها كانت مركزا دينيا هاما به ما لا يقل عن سبعة عشر كنيسة، ويطلق عليها مؤلف هذه السيرة، يوحنا ابن صاعد القلزمى، اسم القسطنطينية الثانية، إلا أن تخريب الدلتا على يد قبائل اللواتيين، وهم الذى قبضوا على خريسطو دولس وعذبوه، كان أحد الأسباب التى أدت إلى نقل مقر البطريركية للقاهرة. وقد وضع كيرلص الثانى، وهو البطرك (67) الذى تولى في 792 للشهداء = 1077م في عهد خلافة المستنصر . مقر البطريركية في كنيسة القديس ميخائيل المختارة بجزيرة الروضة، ومن هنا عرفت باسم كنيسة الجزيرة. وتنتهى سيرة خريسطو دولس بتقرير عن حملة ألبارسلان في سوريا، وعن موقعة ماذكرد التى هزمت فيها القوات البيزنطية وكانت مؤذنة بقرب نهايتها، وأخيرا عن اغتيال البارسلان. وفى سيرة كيرلص الثانى نعلم أن الجزء الأكبر من جيش بدر الجمالى (الأرمنى) الأصل كان مؤلفا في معظمه من الأرمن، وأن بطرك الأرمن زار القاهرة سنة 1087م، وأن الأرمن والسوريين حصلوا على إقامة الخدمة في كنيستين غير مستعملتين في دير الخندق بضواحى القاهرة. هذا بالإضافة إلى رواية ثورة الأوحد ابن بدر الجمالى،الذى حاول الاستقلال بالأسكندرية، وقيام والده بمحاصرته لمدة شهرين ثم قبض عليه وسجنه لمدة سنة ونصف، ثم أمر بقتله شنقا. وتنتهى هذه السيرة ببيان هام عن بقايا أجساد القديسين المحفوظة في مصر والتى رآها شخصيا مؤلف هذه السيرة يوحنا ابن صاعد (سعيد) القلزمى. وقد أرغم البطرك (68) ميخائيل الرابع على أن يوافق على توقيع بعض الشروط في مقابل السماح له بتولى البطريركية، من بينها أن يعيد بعض الكنائس والأديرة إلى أصحابها، التى كان بعض اسلافه قد الحقوها بالبطريركية مع أوقافها وإيراداتها، ولكنه ما أن صار بطركا حتى رفض تنفيذ هذا الشرط وانكر توقيعه. واضطر الأساقفة والأكليروس إلى الكف عن مطالبته بحقوقهم بعد أن هددهم بالحرم إلا أسقف مصر الذى رفض الإذعان له فتعرض بهذا السبب لمضايقات كثيرة من البطرك ميخائيل الرابع، وصلت إلى حد أنه كان يوشك على الحاق كنيسة هذا الأسقف، وهى كنيسة ابن سرجة بالبطريركية لولا موته بالطاعون فجأة. وفى هذه السيرة نقرأ كيف خلف الأفضل بن بدر الجالى أبيه في الحكم، ومنح الخلافة الأسمية للمستعلى بدلا من عمه نزار. وتنتهى هذه السيرة بالعبارة التالية : "وفى أيام أنبا ميخائيل البطرك المذكور وصلت عساكر الروم والفرنج (الصليبيين) من روميه ومن بلاد الفرنجة إلى الشام في خلق كثير وملكوا أنطاكية وما يليها وأكثر الشام الفوقانى (الشمالى) وكان يوميذ بايدى الغز الخرسانيين ولم يبق منه بأيدى الغز إلا دمشق وما يليها. ثم ملكوا مدينة القدس الشريف وما يليها في شهر رمضان سنة اثنين وتسعين وأربع مايه الهلالية وصرنا معشر النصارى اليعاقبه القبط لا نصل إلى الحج إليها ولا نتمكن من الدنو من ذلك لجل (لأجل) ما هو من بغضهم لنا وعدم اعتقادهم فينا وتكفيرهم إيانا …". 3- بالنسبة للجزء الأول من المجلد الثالث : وهو يشمل سير أربعة بطاركة هم : 1- مقاره الثانى البطرك (69) الذى تولى البطريركية من سنة 1102 إلى سنة 1131م، ويرد في سيرته مشكلة أن هذا البطرك صرح بأنه كان ابنا لزواج ثان، الأمر الذى – بحسب القانون الكنسى القبطى – يمنع من رسامته في الكهنوت، لكنه مع ذلك اختير بطركا، وقدم بدير القديس أبى مقار في شبهات (وادى النطرون). إن الدور المهم الذى ظل هذا الدير يلعبه فيما يتعلق باختيار وتقديم البطاركة يتضح من هذه الحقيقة، أنه بعد تقديمه للمرة الثانية في الأسكندرية، لم يسمح له رهبان الدير بالتقديس فىمصر (القاهرة) قبل تقديسه بدورهم، وبذلك يهددونه أنه إذا لم يرضخ لرغباتهم، فإنهم لن يسمحوا له بدخول ديرهم مرة ثانية. وقد حدثت ظاهرتان طبيعيتان أثناء رئاسة هذا البطرك، فقد هبت عاصفة رملية، بلغ من كثافتها أنها جلبت ظلاما كليا في الساعة الثالثة بعد الظهر. وبعد ذلك بسنتين قامت زلزلة عنيفة أدت إلى تدمير كنيسة القديس ميخاييل المختارة بجزيرة الروضة، مع أن هدمها في الواقع تم بأمر بناء معين لم يستلم رشوة كافية لتحويل حائط كان يبنيه بأمر الوزير الأفضل، وقد كانت هناك محاولة من هذا البطرك ليحتفظ لنفسه بكرسى مصر، أدت إلى مراسلات مطولة مع إكليروس وأعيان مصر، كتبت في لغة المبالغة لذلك العصر. أما فيما يتعلق بالحوادث التاريخية، فقد وردت إشارة وجيزة بشأن غزو مصر بواسطة بلدوين الأول ملك أورشليم وموته بعد ذلك في العريش. وقد أعطى وصفا مفصلا عن اغتيال الوزير الأفضل ومصادرة ثروته بواسطة الخليفة . وهناك ذكر أيضا لمحاولة الوزير التالى للإستيلاء على الخلافة لنفسه. 2- غبريال الثانى وهو البطرك (70) الذى تولى فىالمدة من 1131 إلى 1145م. وقد كان قبل رسامته بطركا كاتبا بوظيفة حكومية في مصر (القاهرة). ولقد كان واحدا من العلمانيين القلائل الذين اختيروا بطركا ، وفى رسامته الثانية بدير القديس ابن مقاره تورط في مجادلة خطيرة مع الرهبان بشأن صيغة أضافها إلى اعتراف الإيمان عن الحضور الحقيقى للمسيح، التى يتلوها الكاهن قبل التناول المقدس. ومن بين الحوادث التاريخية المدونة فىهذه السيرة قصة حسن حين خلع والده الحافظ لدين الله، واستولى هوعلى الخلافة، وكيف أنه أرغم في الختام على الإنتحار، وكذلك الثورة التى قامت بقيادة رضوان ابن ولخشى ضد الوزير الأرمنى بهرام والأرمن المستوطنين فىمصر. وكذلك طلب ملك أثيوبيا من غبريال رسامة أكثر من سبعة أساقفة لأثيوبيا. 3- ميخائيل الخامس : وهو البطرك (71) تولى من سنة 1145 إلى سنة م 1147م. عند انتخاب هذا البطرك، قامت ضجة كبيرة بفعل دسائس شخص يدعى يونس ابن كدران، الذى سعى لانتخابه بطركا. كما وردت إشارة لعادة شيقة عند طرح جسد القديس ابن يوحنس سنهوت في النهر لكى يجلب زيادة الماء فيه عند فيضان النيل سنويا. هذا البطرك كان متشددا بصفة خاصة تجاه الرهبان حتى أنه كان يضربهم ويحبسهم. 4-يوحنا الخامس : وهو البطرك (72) تولى من سنة 1147 إلى سنة 1167م. ولقد أثار يونس ابن كدران عدة متاعب جسيمة حين اتخذت الإجراءات لإختيار يوحنا الخامس . وفى النهاية أصدر الخليفة أمره بانعقاد مجلس بحضور الرؤساء لاختيار مرشح مناسب للبطريركية. ومن بين الحوادث التاريخية المدونة هنا نذكر اغتيال رضوان ابن ولخشى، وفاة الخليفة الحافظ واغتيال ابنه الظافر بواسطة نصر ابن عباس، وزارة طلايع ابن رزيق، حدوث غلاء بمصر، اغتيال طلايع ابن رزيق، ظهور ضرغام وشاور، قتل ضرغام، نهب القاهرة، وغزو مصر بواسطة أمورى وشيركوه. وفيما يختص بسيرة البطرك مقاره الثانى، فقد قورن أيضا النص العربى لمخطوط المتحف القبطى مع النص المطابق في مخطوط (تاريخ رقم 3) بمكتبة البطريركية القبطية. 5-بالنسبة للجزء الثانى من المجلد الثالث، الذى يشمل سيرة اثنين من البطاركة : هما مرقس الثالث، البطرك (73) والذى تولى من سنة 1167 إلى سنة 1189م وعرف باسم أبى زرعة، ويؤنس السادس البطرك (74) الذى تولى من سنة 1189 إلى سنة 1216م. وبالإضافة إلى هاتين السيرتين نجد سير أخرى لصلاح الدين والملك العزيز وعثمان والملك الناصر يوسف والملك الأفضل على والملك العادل أبو بكر والملك الكامل محمد وأكثر من هذا يوجد جزء تحليلى للحوادث التى وقعت في مصر بعد وفاة البطرك يوحنا السادس. وفيما يختص بالبطرك مرقس الثالث، فإن القليل يذكر عنه، ما عدا تعديد الأوصافة البطريركية، وإنه فيما يتعلق بانتخابه، لم يكن هناك خلاف، لأن سابقه البطرك يوحنا الخامس كان قد أوصى تعيينه خليفة بعده، وهذا من التصرفات النادرة في تعيين البطاركة. وقد ذكر أنه مع بداية حكم صلاح الدين، أزيلت الصلبان من قباب الكنائس، وقد أمر بتلطيخ بياض الكنائس من الظاهر بطبقة من الطين الأسود، ومنع دق الأجراس، كما نفذت القوانين التى تحدد ملابس المسيحيين. وفيما يتعلق بالبطرك يوحنا السادس، فإنه قد رسم بعد نياحة سابقه بشهر وخمسة أيام وهو في الأصل علمانى – أى ليس من رجال الكهنوت – ثرى، يمتلك مصنعا للسكر وطواحين ومالا. في عهده قصر النيل عن بلوغ مقياسه المعهود فيما بين عامى 1200 – 1201م، وترتب على ذلك قحط خطير تبعته مجاعة فظيعة ارتكبت خلالها جرائم وأهوال. وبدأ التراخى يتسرب في النظم الكنسية في ذلك الحين، كما يتبين ذلك من واقعة أن كاهنا أرمل تزوج ثانية وذهب إلى الأسكندرية حيث باشر الخدمة في الكنائس، إن زواج القسوس مرة ثانية يمنعه القانون الكنسى، ولما علم يوحنا السادس بهذا وبخ بصرامة كهنة الأسكندرية لسماحهم بهذا، وقد أوقف الكاهن المذكور وأمر بقفل الكنائس بالمدينة، ثم تسامح مع الكاهن المخطىء، بعد أن وقع كهنة الأسكندرية على وثيقة بأنه لا يقبل كاهن غريب عن مدينة الأسكندرية ليؤدى الخدمة في كنائسها بدون موافقة البطرك. ويذكر المخطوط قصة وصول رسل ملك أثيوبيا يلتمسون من يوحنا السادس أن يرسم مطرانا على أثيوبيا. وبعد وصول هذا المطران بخمسة سنوات عاد فجأة إلى القاهرة في حالة يرثى لها بزعم أنه أرغم على الهروب لأن محاولة دبرت لاغتياله، وبعد تحقق البطرك من الحكاية علم بأخطاء هذا المطران فحرم من وظيفته وقطع وأرسل مطران جديد. ومن الحوادث الخطيرة التى ترد في الجزء الثانى من المجلد الثالث قصة ارتداد أحد رهبان دير القديس ابو مقار بوادى النطرون واتهامه للرهبان بأنهم يخفون كنزا ذا قيمة عظمى، وقد أثبتت التحريات النهائية من جانب المسئولين في الحكومة أن اتهامه كان باطلا. من الحوادث الهامة كذلك، أنه بعد نياحة البطرك يوحنا السادس، بذلت مجهودات لإحراز انتخاب قس يدعى داود بن لقلق، كان يحظى بتأييد الملك العادل، ومع أن داود هذا قد صار في النهاية بطركا بلقب كيرلس الثالث، لكن هذا لم يتحقق إلا بعد عشرين عاما تقريبا أى في عام 1235م، وذلك بسبب كثرة خصومه. والجزء التاريخى المدون في هذا الجزء يتعلق بحرب صلاح الدين مع الصليبيين، وبالحوادث التى وقعت بمصر أثناء حكم خلفاؤه حتى عهد الملك الكامل محمد. إن قصة هذه الحروب الواردة في الجزء الثانى من المجلد الثانى ذات قيمة خاصة لأنها تزودنا بمعلومات وتفاصيل ذات أهمية بالغة لا ترد في المصادر الأفرنجية والإسلامية. 6- بالنسبة للجزئين الأول والثانى من المجلد الرابع جاء في المخطوط "تاريخ رقم (1) بالمتحف القبطى تحت عنوان "سيرة البطريرك كيرلس الثالث" المسمى – قبل رهبنته .. بابن لقلق، والذى لم يشغل أكثر من خمسة عشر سطرا. لذلك فإن النص المنشور في هذا الجزء يعتبر ملحقا هاما لتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية في الفترة المشار إليها. ونظرا لورود تكرار في ذكر بعض الأحداث والمشاهدات، فإنه يبدو أنه لفق من مصدرين متشابهين. فبعد نياحة البطرك يوحنا السادس في عام 1216م، مضى تسعة عشر عاما قبل أن ينجح "ابن لقلق" في أن يعد العدة لاختياره بطركا للأسكندرية. وفى أثناء هذه الفترة وقعت أحداث هامة في مصر وفلسطين – سياسية واجتماعية واقتصادية وكذلك كنسية – ورد وصفها بالتفصيل في هذا الجزء. أما عن شخصية ابن لقلق فقد اختلفت الآراء فيها تماما، فبينما نظر خصومه إلى أنه كانت تنقصه كل المقومات المطلوبة فيمن يجلس على كرسى القديس مرقس، يرى أصدقاؤه أن الشرطونية (السيمونية) كان ذلته الأساسية، وكذلك مخالفته بعض عادات الكنيسة القبطية، فمثلا كان يبيح رسامة الكهنة من أبناء الزواج الثانى أو الثالث. وكيفما كان الأمر، فإن الظروف المحيطة بالكنائس والأديرة القبطية كانت من أهم الأسباب التى دفعت البطاركة إلى قبول السيمونية، ذلك أنه كان من الضرورى أن تدفع مبالغ طائلة للسلطان للحصول على موافقته لرسامة البطرك. كما أنه كان من الضرورى أن يوجد رصيد من هذه المبالغ لسداد الغرامات والفرد الفادحة التى كثيرا ما كانت تطلب من البطرك أو من الأقباط، لأن الفشل في دفع هذه المبالغ كثيرا ما كان يستلزم حبس للبطرك ويجر الاضطهاد على الشعب. والجزئين الأول والثالث من المجلد الرابع يحتويان على عدة موضوعات وأحداث هامة سواء على المستوى الكنسى أو سيرة ابن لقلق. من هذه الأحداث الإيضاح الخاص الذى يسوقه كاتب السيرة لقصة رأس مارى مرقس الذى يذكر أن ابن لقلق في اليوم التالى لتقديمه بالأسكندرية ذهب إلى بيت ابن السكرى حيث كانت رأس مارى مرقس محفوظة، وذلك ليضعها كالعادة في كفن جديد، وطبقا لرواية كاتب هذه السيرة، فإن هذه الرأس للقديس بطرس خاتم الشهداء. وقد قدم ابن لقلق مطرانا للقدس والساحل والشام، مما سبب له متاعب كثيرة بينه وبين بطرك أنطاكية. وكان لابن لقلق أعداء أقوياء حاولوا حرمانه بشدة من الكنيسة، حتى أنهم قدموا مبلغا كبيرا من المال للسلطان ليصدر أمرا باختيار بطريرك آخر. وقد تنيح ابن لقلق عام 1243م بدير الشمع، حيث دفن هناك. وقد ذكر مؤلف هذا الجزء أن الملكانيين كانوا بغير بطرك، إذ تنيح بطريركهم قبل ابن لقلق بقليل. وهذه الرواية تثبت أن القديس نيقولا الأول بطرك الروم الأرثوذكس بالأسكندرية قد تنيح عام 1243م. كما ذكر أن أسرى الأفرنج الذين أسروا في الحروب، كانوا يرسلون إلى مصر ليشتغلوا في إقامة قلعة السلطان بجزيرة الروضة التى حلت محل مقر البطريركية بهذه الجزيرة. وذكر ايضا قصص عن ثلاث حالات ارتداد، وتزييف العملة والغلاء ونقص فيضانات النيل والطاعون والزلزال مثل : أ‌- الحروب مع الصليبيين في الشام وفلسطين التى قام بها أندرياس ملك المجر وحلفاؤه. ب‌- وصف تفصيلى لحملة يوحنا دى برين ضد مصر، واحتلال دمياط. ج- حملة فردريك الثانى امبراطور روما على القدس واحتلالها. د- الحرب مع كاى كوباد سلطان الروم. هـ – الحرب بين الملك الكامل وأخيه الصالح. و – موت الملك الكامل وتولى ابنه العادل الذى خُلع بعد عامين وتولى السلطة الملك الصالح. ز- الحروب في الشام وفلسطين مع الخوارزم بسبب اغارات جنكيز خان على بلادهم. 7- أما الجزء الثالث من المجلد الرابع وهو الجزء الختامى من تاريخ الكنيسة المصرية فيه سير ثمانية وثلاثين بطركا، قد اعتلوا كرسى القديس مرقس من عام 1235 إلى عام 1895م. وفيما يختص بالبطاركة الواردة أسماؤهم في هذا الجزء، فإن سيرهم غاية في الاختصار وهم : - كيرلس الثالث، البطرك 75 – ابن لقلق. - أثناسيوس الثالث، البطرك 76 – أقام بطركا إحدى عشر سنة. - غبريال : البطرك 77، نازعه في البطريركية يوانس ابن أبى سعيد السكرى. - يوانس : البطرك 78، نازع البطرك مرتين على البطريركية في أيام الظاهر بيبرس، خلى الكرسى بعده سنة واحدة واياما. - تاوضوسيوس (ابن أبو مكين الأفرنجى)، البطرك 79، في أيام الملك الناصر محمد ابن قلاوون. ذكر أنه أخذ البطريركية بما يخالف قوانين الكنيسة القبطية، وكان محبا لأخذ الرشوة. - يوانس (ابن القديس)، البطرك 80، كان فيه الأمر للقبط بلبيس العمائم الزرق. - يوانس، البطرك 81. - بنيامين البطرك 82، اعمر دير القديس أنبا بشاى بوادى النطرون. - بطرس البطرك 83. - مرقس البطرك 84. - يوانس البطرك 85 الشهير بالشامى. - غبريال البطرك 86. - متى المسكين البطرك 87 وسيرته مطولة عكس بقية البطاركة. - غبريال البطرك 88. - يوانس البطرك 89. - متاوس البطرك 90. - غبريال البطرك 91. - ميخائيل البطرك 92. - يوانس البطرك 93 أرسل له بطرك روما رسالة لتوحيد الكنائس تحت رياسة بطرك روما. - يوانس المصرى البطرك 94 احتلال السلطان سليم لمصر والقضاء على سلطنة المماليك. - غبريال البطرك 95. - يوحنا المنفلوطى ابطرك 96. - غبريال البطرك 97. - مرقس البطرك 98. - يوانس البطرك 99. - متاوس الطوخى البطرك 100. - مرقس البهجور، البطرك 101. - متاوس الميرى البطرك 102. - يوانس (16) البطرك 103، عاصر احداث فتنة كوجك محمد والغلاء والمجاعة. سيرة المعلم داوود الطوخى وولد أخيه المعلم جرجس الطوخى، فتنة باب الإنكجارية (الينكجرية) وغيطاس بك، فتنة عابدى باشا ومقتل غيطاس بك. - بطرس (6) البطرك 104 فتنة اسماعيل بك أيواز (أيوظ) ومحمد بك جركس وكاينة المعلم لطف الله، وسيرة المعلم مرقوريوس الشهير بديك أبيض. - يوانس (17) البطرك 105 (166) زيادة الجزية على النصارى واليهود، من قبل السلطان العثمانى وسيرة المعلم نيروز والمعلم رزق الله البدرى والمعلم بانوب الزفتاوى، فتنة عثمان بك. - مرقس (7) البطرك 106، فتنة خليل بيك أمير الحاج وعلى باب الدمياطى الدفتردار وعمر بيك غيطاس ومحمد بك زاده وشيخ العرب همام (أنظر الجبرتى ج2 ص 106) . - يوحنا البطرك 107، هرب بسبب جور الحكام ،إبراهيم بيك ومراد بك، وفرض الضرائب الباهظة على الناس، وكذلك الظلم الذى فعله حسن باشا قبطان الموفد العثمانى لمحاربة إبراهيم بيك ومراد بك، وقبضه على زوجة المعلم إبراهيم الجوهرى ونهبه لأمواله، وانتشار الطاعون وفناء بيت الأيواظية بموتهم في الطاعون. - يوانس (8) البطرك 108، الحملة الفرنسية على مصر وثورة القاهرة الأولى ومقتل كليبر وتولى مينو واضطهاده للقبط بسبب إسلامه، وخروج الحملة الفرنسية من مصر، واضطهاد نصيف باشا العثمانى للأقباط والمسلمين. - بطرس البطرك (7) 109 (ص 172)، فتح السودان على يد محمد على باشا مما ساعد على عودة الكثير من السودانيين إلى القبطية. - اهتمام محمد على بالقبط خاصة بعد شفاء ابنته على يد السرا بمون اسقف المنوفية، فتح إبراهيم باشا للشام ومعجزة خروج النور من داخل ضريح السيد المسيح بكنيسة الروم في القدس وحضور إبراهيم باشا لمشاهدة هذه المعجزة، ومحاولة محمد على باشا ضم الكنيسة المصرية إلى الكنيسة الرومية تحت ضغوط الفرنساوية العاملين لديه. - كيرلس البطرك (4) 110، هو الذى أنشأ المدارس القبطية في البطركخانة وحارة السقايين وجدد تعليم اللغة القبطية وأدخل اللغات الأجنبية مثل اللغة العربية . قصة تدخل الإنجليز لقتله في الحبشة عندما قام بزيارة كنائسها التابعة له. بدأ في بناء الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية. - ديمتريوس (2) البطرك 111 أكمل زينة الكنيسة المرقسية بالأزبكية، حضر الاحتفال الذى أقيم بمناسبة افتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل باشا، بقى الكرسى بعده خاليا أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة عشر يوما. - كيرلس الخامس، البطرك 112 الذى عاصر إسماعيل باشا والخديو توفيق والخديو عباس حلمى الثانى. كان أحد أعضاء مجلس شورى النواب. كما عاصر الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى والنزاع داخل الكنيسة حول الأوقاف وإبعاد البطرك كيرلس إلى دير البراموس. قصة ثورة المهدى في السودان. تسامح الأسرة العلوية مع أقباط مصر. التطورات الحديثة كالسكك الحديدية والتلغراف وراعية الحياة المدنية والبريد والجرايد والمطابع. هذا بالإضافة إلى ذكر الأديرة التى كانت موجودة في هذا الوقت.