مستخدم:Dris Jebrouni Mesmoudi
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ادريس الجبروني المصمودي/طنجة/المغرب DRISS JEBROUNI MESMOUDI/ _____________________________________
مفهوم الوطنية والحزبية في الفكر الإصلاحي __________________________________
لم ينظر بعض الأتباع إلى المقال السابق حول حزب الإصلاح، إلا من حيث أنه يضعف دور الحركة الوطنية الإصلاحية في الشمال، فوجهت انتقادات وتشنيعات في هذا الصدد، وكانت طبيعية ومنتظرة، لكنها لم تناقش طرحنا إلا في إطار شكلي يحاول خدع الواقع ومغالطته. لا ننكر أن أصل البحث هو أولا نقد حزب الإصلاح في محاولة تصيد طبيعته الحقيقية لا لغاية مسبقة أو نية مبيتة كما زعم البعض. وثانيا إن أي تعاون تبرره الظروف لا يعطي الدليل القطعي على صلاحية إيديولوجية الحركة المذكورة (ممثلة خاصة في حزب الإصلاح) والبرنامج المترتب عنها. وإذا ظهر للبعض أن نتيجة العمل هي كشف الدور الحقيقي الذي مارسته الكتلة في الشمال – وغالبا ما تم بموافقة كتلة الجنوب -، فإننا لا نرفض هذا الاستنتاج. لكن من يزعم أن الهدف هو إظهار العيب في كون إديولو جبهة الحزب الإصلاحي ترتكز على الوطنية الدينية، فإنه يدل على ضعف إدراكه للمقصود أو تعاميه عن حقيقة المراد، فليس العيب في كون الحركة سلفية قومية وإنما العيب والأسف معا هو استغلال المقومات الروحية لدى الجماهير وتحريفها لتحقيق مصالح طبقية معينة، فالنخبة المختارة هي التي كانت تروج تبريرا أو تفنيدا الأفكار والبرامج والشعارات التي تراها صالحة في فترة ما ومراعاة للظروف القائمة. وبديهي، أن طابع الحدث التاريخي يرتبط إلى درجة كبيرة باختيار الباحث أو المؤرخ، فهو الذي ينظم وينسق المعلومات التي بين يديه – وهي غالبا ما تشكل جزءا من الواقع – والتي تتفق مع الفرضيات المحتملة التي ينتج عنها تحليل محدد وتفسير معين، ولا يمكن أن ترتبط بالترتيب المزعوم لغرض معلوم. إن الطابع العلمي لإعادة البناء التاريخي هو الآن حاسم في إطار نظري ومنهجي مع الكشف عن الطابع الادلوجي والطبقي لكل علم يتناول المجتمع كموضوع(1). ومن هنا فإن مشروعنا من حيث أنه قراءة جديدة في تاريخ الحركة الإصلاحية في الشمال، انطلاقا من قاعدة تعتمد تحليلا معينا أساسه عملية اختيار المعلومات، وهي تكشف عن جانب خطير من واقع تاريخي حاول الأتباع طمسه وإخفاءه، أو إضفاء عليه صبغة تخفي طبيعته الحقيقية. لقد حان وقت تفسير وتبرير أهداف الحركة الإصلاحية على مستوى جديد، ومن ينكر ضرورة هذا التقويم الإديولوجي يقع أسير مفاهيم بطولية جامدة لا تقبل النقاش، وتصور مثالي ضبابي لنسق الوطنية الإصلاحية. فإذا كشفنا القناع عن تلك الأفكار والأهداف انطلاقا من وعي تام بطبيعتها نكون قد تحررنا من أوهام خادعة. عودة إلى بعض مضامين الادلوجة الإصلاحية. لا نشك في أن الضباب الذي يجده الباحث عند مراجعته لتاريخ الحركة الإصلاحية هو مقصود من طرف رجالها، فكل ما نشر حتى الآن ليس إلا وصفا سطحيا أسطوريا لوقائعها وبطوليا لمواقفها. فلا يجب أن نفسر الوقائع بمنطق المشاركين فيها، بل حسب منطق لم يعوه هم ونعيه نحن اليوم(2). فمنطق الطابع الفاشي لحزب الإصلاح الوطني مرفوض في ذهن أولئك الزعماء التاريخيين وأتباعهم، وقد سبقهم الأستاذعبدالخالق الطريس في نفيه للطابع الأجنبي للحزب : "وقد غلط كثيرا من ظن أن نظام فتيان الحزب نظام أجنبي، في حين أنه لا رائحة فيه إلا للمغربية الحقة" (الحرة30/8/37). وإن نفي الطريس للطابع الأجنبي للحزب لم يغير شيئا في الواقع، فالأحداث والوقائع التاريخية التي عرفتها المنطقة والتي عاشها المشاركون فيها (الإرتباطات المنطقية بين الأحداث) تنتقل مباشرة من لا وعي المشاركين إلى وعي الباحث المعاصر. أما الارتباطات كما رآها المشاركون وعملوا على ضوئها، فليست بواقعية في نظر تاريخ اليوم(3). وإن تأثير الأحزاب الفاشية والنازية المتصاعد في تلك الفترة (الثلاثينات) على عبد الخالق الطريس وجماعته واضح جدا، وقد عبر عن رغبته في بناء حزب الإصلاح بناء يشبه تنظيم الأحزاب في ألأمانيا النازية. ويؤكد ذلك محضر الهيئة التحضيرية لنظام حزب الإصلاح(4). وما ذهب إليه علال الفاسي في "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي". والواقع أن النخبة "الممتازة من الوطنيين" برزت في زمن بلغت فيه الفاشية أوجها وأذاعت الزيف الفكري فوجدت (النخبة) نفسها أمام أزمة مفاهيم، فكيف يستقيم الوعي بدون مفاهيم واضحة هادفة، وكيف يستقيم العمل بدون تنظيم متين؟ أليس من المحقق أن تقع النخبة المختارة في الانتقاء والانتهازية الفكرية؟ سيختار الزعيم بين النظريات والتحليلات والمفاهيم ما يقرب بذلك أغراضه، فيطالب الأتباع بالاتباع، فلا بد إذن من نظرية تجعل من الحزب جماعة ملتحمة حية، قادرة على الاستمرار(5). وبديهي كذلك، أن نقوم بمراجعة بعض عناصر الادلوجة الإصلاحية، مثلا، مفهوم الوطنية، مفهوم الحزب والأمة الخ.. فإذا قمنا بجرد جديد لمعنى الوطنية في الفكر الإصلاحي فإننا سنجد الإجابة في أدبيات رجاله وفي تراث الحزب وممارساته السياسية. فالوطنية تعني التعاون مع الاستعمار وهي : "الوطنية التعاونية .. التي تعمل ليستفيد من ثروة البلاد وأراضيها.. جميع السكان القدماء والنزلاء .. الوطنية التعاونية تفترق عن الوطنية الثورية بكونها لا تدعو إلى سفك الدماء وإعلان الحركات الهدامة .." (الحياة ع 63 ص1). لقد بينت الوقائع على أن الحركة الوطنية الإصلاحية لم تكن تطمع في أكثر من إصلاح النظام السياسي والاقتصادي في ظل هيمنة المستعمر، غير أن طموحها كان يعاني من قصور أمام الرأسمال الأجنبي ومن انحصار اقتصادي أمام الاحتكارات الإسبانية. بيد أن تلك الجماعة الوطنية استفادت من النظام القائم آنذاك على عدة مستويات، وكانت تبرر سياسة تعاونها مع الاستعمار لأنها في الواقع لم تكن سوى استمرار للسيطرة الإسبانية التي كانت تحدد بالذات إطار نشاطها الاقتصادي : "ولم لا نتعاون مع الحكومة .. ونحن نقدم أيدينا للمساعدة التي سنستفيد منها فائدة أعظم من المعارضة .. بالتعاون يمكننا أن نتوصل في زمن قليل إلى أشياء لا يمكننا أن نتوصل إليها بالمعارضة إلا في زمن طويل" (الحياة ع 38). إن الحاضر يستلزم منا أن نطرح عدة أسئلة : هل ملازمة الحركة الوطنية للتعاون مع الإدارة الاستعمارية ضرورة ثابتة؟ لماذا أمسك القادة الإصلاحيون منذ دخول الاستعمار إلى تأسيس حزب الإصلاح الوطني بالأوهام الداعية إلى المطالبة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في ظل المستعمر ونهج الطريق السلمي ومعاداة العنف؟. الواقع أن الحركة الوطنية حبست نفسها في حلقة مفرغة ولم تستفد من التاريخ، وخضعت لإرشادات وتوجيهات شكيب أرسلان الذي كان يعتبر إسبانيا دولة حامية وفرنسا دولة استعمارية وينصح الإصلاحيين بالتعاون مع إسبانيا(6). وكان المقيم العام ريكو إبييو قد أجاب عن سؤال حول إمكان وجود خطر في المستقبل من حركة العناصر الشابة قائلا : "توجد حقيقة تلك الحركة الوطنية الآتية من الشرق بالطابع الشعري والسياسي .. توجد في تطوان نخبة من المفكرين الشباب يمثلون الحركة الوطنية ولكن أمانيهم الحالية ليست بخطيرة وهم على اتصال بي (أي المقيم) ويعلنون حبهم لإسبانيا" (الحياة ملحق ع4). وقد أكد الأستاذ الطريس ما ذهب إليه كاتب إسباني حول تقييم الحركة الوطنية وميلها لإسبانيا. وفي الجانب الاجتماعي تبلورت الفكرة الوطنية نتيجة رد فعل الطبقة المثرية التقليدية التي مست مصالحها من قبل الرأسمال الأجنبي، ولهذا جعلت من مطالبها الروحية ستارا لمطالبها المادية. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الحركة الوطنية (في الشمال والجنوب) كانت تقر بميثاق الحماية، وإن اعتمدت في نضالها سياسة المطالب، وهذه يمكن تقسيمها إلى قسمين : مطالب معنوية تتمثل في الدفاع عن القيم التي تميزنا عن الاستعمار ومطالب مادية يمكن تفسيرها من الناحية الاقتصادية. إن الاتجاه الإصلاحي ذا النظرة التطورية الرتيبة كان موجودا منذ دخول الاستعمار، ولم يبدأ في الثلاثينات كما يدعي البعض. إن بعض أعيان المدينة كانت لهم صلة وطيدة مع إدارة الحماية، فالأستاذ عبد السلام بنونة الذي عمل وزيرا في حكومة الخليفة سنة 1922 وعين أربع مرات في المجالس البلدية بتطوان، نجده في سنة 1910 يكون شركة مع أحد الأجانب للبحث عن المعادن(7). بينما كان أهل البادية بمقاومتهم المسلحة قد جعلوا من التجربة الإسبانية لما يدعى بـ "العمل في المغرب" تجربة مأساوية لأن الجيش الإسباني بما يفوق مائة ألف جندي لم يستطع أن يركز دعائمه في المناطق التي حصل عليها بمقتضى معاهدة الجزيرة الخضراء ومعاهدة الحماية، ولم يساهم في ذلك الجيش الإسباني لأن الجنرال "الفاو" كان قد احتل مدينة تطوان عسكريا قبل التوقيع على الاتفاق مع فرنسا، ومنذ ذلك الوقت كان احتلالا عسكريا ولم تكن حماية، وقد وجدت إسبانيا صعوبة في احتلال المنطقة نظرا لمقاومة القبائل(8). وأصبح مطروحا على إسبانيا نفسها مراجعة مغامرتها الاستعمارية بعد الهزائم المتتالية التي مني بها جيشها في عملية "التهدئة" في الشمال. فإذا كانت البادية قد اختارت المقاومة المسلحة ضد الاستعمار فإن فئة الأعيان بالمدينة قبلت الوضع الجديد وشرعت تبحث عن علاقات جديدة مع المستعمر في إطار ملائم للتعاون معه على عدة مستويات، كما اتخذت في نفس الوقت، موقفا مناهضا لأهل البادية، ولهذا ظلت المقاومة المسلحة معزولة. ومن البديهي أن أية ثورة تحريرية لا يمكنها أن تنجح بدون مساندة المدينة، فإذا كانت البادية هي الجبهة الأولى فإن المقاومة في المدينة تعتبر الجبهة الثانية، وهذه العلاقة الجدلية بينهما هي التي تحدد نجاح أية حركة تحريرية. إن موقف البادية من الاستعمار كان هو الكفاح المسلح بينما كان موقف البرجوازية الوطنية هو المطالبة بإصلاح اجتماعي – اقتصادي في ظل الاستعمار، وهما إذن موقفان مختلفان من موقع طبقي. ومن هنا يجب أن نضع سؤالا : ألم يكن لعمل البرجوازية الإصلاحية السياسي دور في افتعال حركة المقاومة؟ إن الجواب على ذلك يكمن في موقف الحركة الإصلاحية من الوطنية عند أهل البادية، وهو موقف استمر حتى بعد الأربعينات من هذا القرن" .. إن هذه القبائل لا تفهم الوطنية إلا في إخراج السلطة الأجنبية من بلادها فلا تعرف أن الوطنية ذات مراتب وأنها يجب أن تتلاءم مع الأشياء الأخرى كالسياسة الخارجية و السياسة الاقتصادية وما شاكل دلك..."(الحرية 3 /1/ 1940)أماالوطنية عند الإصلاحيين فمعرفتها "تحتاج إلى دراسة وتثقيف وهما لا يوجدان لدى الفلاح والراعي وصاحب الماشية، والبادية في المغرب إنما تتكون من هؤلاء" (الحرية 3/1/40). إن هذا المفهوم للوطنية المتعارض مع مفهوم الوطنية عند أهل البادية فيه طرح لتوجيه سياسي – اقتصادي، وهذه الموضوعات لم يشرع في تحليلها كما هو مطلوب. لقد كانت المقاومة المسلحة في الجبال هي التي فجرت التناقضات منذ أن وطأت قدم المستعمر أرض المغرب. ولا نستثني أيضا دور الطبقة العاملة الفتية في تطوان التي أبرزت مدى فعالية نضالها، بينما كان عمل الإصلاحيين هو إجهاض هذه الانتفاضات وقيادة الجماهير إلى سياسة المهادنة والاعتدال، وفي نفس الوقت كانوا يسعون إلى التقرب والتودد من إدارة الحماية، وقد يحق لنا أن نتساءل مرة أخرى : ألم يوجه عملهم نحو تقليص نشاط القبائل وإلحاقها بالبنية الرأسمالية الاستعمارية مع ضمان الاستقرار حتى يتسنى للطرفين استغلال البلاد بخلق منشآت اقتصادية تابعة للاستعمار؟ ألم تكن التنظيمات السياسية آنذاك هي المدافع عن مصالحهم الطبقية بنهج أسلوب المساومة والإصلاح؟ فمن موقع التبعية الاقتصادية والإجتماعية للاستعمار ارتبطت الحركة الإصلاحية بهيمنته فجعل آفاقها محدودة. إن الاستعمار عند دخوله للمغرب اعتمد على البرجوازية التجارية، كما اعتمد على الإقطاع وعلى الزوايا لما لهذه العناصر من دور أساسي على صعيد الاقتصاد والمعتقدات فالبرجوازية الكمبرادورية لم تتضح معالمها قبل فرض عقد الحماية على البلاد فحسب، بل هي مهدت وعبدت الطريق لاستعمار البلاد من قبل الدولتين الاستعماريتين(9). إن السياسة الإصلاحية كانت تكيف العقلية المغربية حتى تقبل الأطروحة الاستعمارية التي كانت تدعي تمدين البلاد ونقل إليها الحضارة والرقي الأوروبيين، وفي نفس الوقت كانت الحركة الإصلاحية تدعو إلى خلق قطاعات صناعية جديدة، لكن قاعدتها الاقتصادية كانت لازالت في طور النشأة فعملت على تحويلها إلى أداة سيطرة سياسية من خلال سعيها للمشاركة في الحكم. والواقع أن تلك البرجوازية المحلية لم تكن تساوي شيئا على الصعيد الاقتصادي لأنها لم تكن مسيطرة على جهاز الحكومة، لذلك كان الشكل المميز الذي اتخذه وعيها هو العمل السياسي الذي كان يمثل بالنسبة إليها كل شيء، وهذا العمل يتم في إطار المشروعية الاستعمارية. كما أنها كانت عاجزة عن الوصول إلى الحكم الذي كان من بين الأهداف التي وضعتها الهيئة التحضيرية لنظام حزب الإصلاح نصب عينيها ".. إن بعض الغايات سوف لا تطلب كما أن الحزب إن وصل إلى الحكم فلن يكون طالبا"(10). يعبر ذلك عن رغبة لدى البرجوازية لحماية مصالحها وإيجاد قاعدة مستقرة للحكم. وما تأسيس حزب الإصلاح على طريقة ترضي الإدارة الاستعمارية إلا تتويج لعلاقات التعاون بين هذه الطبقة والاستعمار، هذا التعاون الذي تجسد في النهج السياسي والاجتماعي لحزب الإصلاح. وإن تأسيس الحزب على النمط الذي رأيناه سابقا – لم يكن مجرد صدفة، بل كان اختيارا سياسيا واعيا بالظروف السياسية التي عاشتها إسبانيا حتى بعد الحرب الأهلية، ثم أن الأستاذ الطريس كان هو الشخص المؤهل ليقوم بالدور السياسي في تلك الفترة أحسن قيام. "المهادنة والتوفيق بين المصالح الوطنية ومصالح الاستعمار الحاضرة والمستقبلية هل ليست هناك حماية تجبر الحامي على إنهاض البلاد وترقيتها من جميع النواحي؟ ألا توجد أخوية بين الشعبين الإسباني والمغربي، يتعين معها مد اليد للمغاربة وإعانتهم؟ أليس من المناسب للدولة الحامية أن تراعي مصالحها الحالية والمستقبلية فتضمنها بالعطف على هذا الشعب" (الحرية 14/10/1937). إن هذا الأسلوب في السياسة كان يعبر عن تعاون مغلف أحيانا يمثل في الظاهر تحولا أساسيا لحل تناقضاتها –أي البورجوازية- مع الرأسمال الأجنبي، ومن ثمة فاستمرارية مطالبها الوطنية لم تكن ثمرة لاستراتيجية جزئية أو مؤقتة كما تدعي محافلها – لأنها لم تكن تملك استراتيجية محددة، وإنما كانت مطالبها تعبيرا عن رغبات طبقية خلقت وضعا سياسيا سيطرت فيه الفكرة الإصلاحية بجانب سياسة الاستعمار، وبدل أن تعمل على تغيير الوضع الاستعماري ساعدت على ترسيخه، ولأنها كانت في طريق النشوء الذي مثل نمو تناقضين اثنين : تناقض أول مع الرأسمال الأجنبي، والتناقض الثاني كان مع "البروليتاريا" الوليدة التي شرع في استغلالها، وضعف هذه الطبقة الأخيرة وسوء تنظيمها لا ينبغي أن يقودنا إلى نفي وجودها كما زعم البعض. وإذا كانت البرجوازية الوطنية لم تساو شيئا على الصعيد الاقتصادي – أي كونها قاصرة عن (استغلال كنوز الأرض). فإنها مثلت دور "الوسيط" السياسي. فلقد كانت الإدارة الاستعمارية تشعر الإصلاحيين بأنهم يمثلون عنصرا مساعدا فقط، ولئن كانوا يشكلون وسيلة سياسية فلا يجب التقليل من أهمية المصلحة، فللحصول على الضمانة السياسية لا بد لهم من خلق مصلحة فردية أحسن من جماعية والاستفادة من مبدأ فرق تسد. وقد تبين أنه نتج عن سياسة الاستعمار في خلق بعض المصالح الفردية لفائدة بعض القادة الوطنيين إن برزت خلافات ذات طابع شخصي داخل الهيئة التحضيرية أدت إلى مناقشات حادة وتبادل الاتهامات وعدم الاتفاق في الرأي(11). وأسباب هذه الخلافات ليست واضحة في المحضر لأن بعض الجمل والكلمات محذوفة مما زاد في غموضه – والظاهر أن الحذف وقع قصدا في الوثائق وتعليقات بنعزوز غير مقنعة – وفي اعتقادنا أن الخلاف نتج عن تعيين بعض أعضاء الهيئة في مناصب حكومية والتسابق عليها. وكانت هذه القضية قد أثيرت في اجتماع الجلسة العاشرة للهيئة التحضيرية لحزب الإصلاح(12). وعندما عين الطريس مديرا للأحباس خاضت جريدة "الحياة" حملة لشرح موقف الحركة الوطنية من التوظيف. ولما رقي نائب الأمور الوطنية "كباص" من درجة كلونيل إلى رتبة جنرال "جزاء له بما قام به في عملية احتلال إفني" دارت مناقشة حول ضرورة الاحتفال بالرجل الذي ".. انتصر في إخضاع البقية الباقية من ثوار قبائل غمارة، ثم انتصر أخيرا في احتلال افني الصحراوية .. وأخيرا نجح في تسيير دفة المنطقة الخليفية" (الحياة ع 38 ص5). كان منطق الهيئة هو أن الذي بطش بإخوانهم في إفني واستحق رتبة جنرال على عمله هذا "يستحق بناء على مبدأ الخير بالخير". الخير في نظر الهيئة هو المساعدة المالية التي قدمها الجنرال كباص لشركة الكهرباء الوطنية. ولما كانت الذهنية الاقتصادية لدى البرجوازية الإصلاحية غير قادرة على "استغلال كنوز المغرب والمشاريع الكبيرة" فإنها بادرت إلى جلب استثمارات أجنبية وأجرت اتصالات مع خبراء أجنبيين، لكن محاولاتها كانت تصطدم بوجود الأوليغارشية الإسبانية صاحبة الاحتكار. وهذه الوضعية حدت من طموح الفئة الإصلاحية وحالت دون أن تحصل على مواقع داخل النظام البنكي الاستعماري، وفي أن تخلق في نفس الوقت قوة اقتصادية وطنية. الفكرة الاصلاحية والحزبية "إن الوطنية المغربية فكرة إصلاحية، وليست بحزب مشاغب ... أما لو كانت حزبا على طريقة الأحزاب المنظمة لهان أمرها ... وإن للمغرب لعبرة عظمى بإسبانيا" (الحياة ع63 ص1). وهذا الاعتبار بالمستعمر هو الذي شجع الكتلة الوطنية في الشمال على إخراج مشروع حزب الإصلاح إلى حيز الوجود لما تغير الظرف السياسي بإسبانيا بانطلاق الهجمة الفرانكوية. فهلا يحق لنا أن نتساءل عن سبب تردد رجال الكتلة في الإعلان عن مشروعهم إلى حين قيام الحكم الفاشي بإسبانيا؟ سيما وأن التحضير لعمل سياسي منظم كان قائما وأن شكيب أرسلان كان على علم بتأسيس هذا الحزب(13). وكانت له اليد الطولى في توجيه عمل الحركة الوطنية، ومن يرجع إلى محاضر الكتلة الخاصة بدراسة برنامج الحزب يلاحظ مدى اهتمام أعضاء الهيئة التحضيرية بأنظمة بعض الأحزاب ذات النزعة الفردية. وكان الأستاذ الطريس معجبا بالنهضة الألمانية وكل ما يتعلق بالشعب الألماني(14). وقد سبق لوفد من رجال الحركة أن أجرى اتصالا مع الحكومة النازية، وقد أكد أحد رجالاتها على أن هذا الاتصال تم باتفاق مع الوطنيين في الجنوب(15). وفي اعتقادنا أن ظهور حزب الإصلاح في نفس الوقت الذي يوافق قيام التمرد الكتائبي يعبر عن نزعته الحقيقية الكامنة التي لم تبرز إلا نتيجة لتحالفه مع الحركة الفاشية التي قادها الجنرال فرانكو، فلم يبق أمام قادته سوى تعميق الفكرة الحزبية في النفوس ورسمها في الأذهان بالوسائل الخطابية التي هي أقرب إلى القلوب. وقد كان الأستاذ الطريس هو "زعيم الحزب وخطيبه اللامع"*. إن الطريس يعطي أهمية قصوى للحزب، أما الأمة في نظره فلا قيمة لها إن لم تذب داخل الحزب "والحزب ليس إلا الأمة كشعور وكفرة وكمثل أعلى، ولا قيمة للأمة إن لم تتحزب، والتحزب خير وسيلة لإنقاذها". وهذا الربط بين الأمة والحزب يعبر في الواقع عن أسلوب فاشي، ويضيف الزعيم : "ولهذا يتطلب الحزب من جميع الأمة أن تلتفت إليه ماديا وأدبيا، على الشعب أن يكون رهن إشارة الحزب، واندماج الأمة في الحزب هو ما نتطلبه، فيمكن للحزب أن يؤدي مهمته ..". إن الظاهرة الفاشية اختلفت من بلد إلى آخر، وأخذت أشكالا متنوعة، لكن خصوصياتها تماثلت إلى حد ما بين حزب الإصلاح وحزب الكتائب الإسباني**. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار حزب الإصلاح امتدادا لجهاز الفلانخية، ومن هنا يأتي مصدر الهشاشة التي غلفت هذا التنظيم. ففي المقام الأول نذكر هشاشة التحالف المهيمن (الإصلاح – الفرانكوية) الذي تعتريه تناقضات تعكس التناقض القائم بينه وبين الجماهير الشعبية، وفي المقام الآخر، فإن هذه الهشاشة تنبع مباشرة من تبلور الادلوجة القائمة على أساس سيطرة نخبوية ينعدم معها عمليا وجود قاعدة شعبية متينة. والتحالف الأول جعل الحزب يقع تحت "وصاية" الإدارة الاستعمارية، ويحكم عليه بأن يكون فريسة التأثيرات الخارجية. 1)-هوكواسكوي – الفلسفة الماركسية – ص.23. هوامش : 2)-عبد الله العروي – العرب والفكر التاريخي – دار الحقيقة، بيروت، ص.84. 3)-نفس المصدر السابق، ص.84. 4)-بنعزوز حكيم – وثائق الحركة الوطنية في الشمال – ص.117. 5)-عبد الله العروي – العرب والفكر التاريخي – ص.65. 6)-ذ. الطيب بنونة .. نضالنا القومي (رسائل الأمير شكيب) – مطبعة دار أمل، طنجة. 7)-نفس المصدر السابق. ص.44-48. 8)-طونيون دي لارا – إسبانيا القرن العشرين – ص. 42- 43. 9)-الإبراهيمي – بصدد البرجوازية الكمبرادورية- مجلة الجسور، ع.1. 10)-بنعزوز حكيم – وثائق الحركة الوطنية في الشمال – ص.95. 11)-نفس المصدر السابق، محضر رقم 56، ص.205. 12)-نفس المصدر السابق، محضر "ي"، ص.112. 13)-الطيب بنونة – نضالنا القومي – ص.316. 14)-بنعزوز حكيم – وثائق الحركة الوطنية .. ص.117. 15)-من محاضرة ذ. محمد الخطيب – ندوة الطريس بتطوان، ماي 1980.
- إن كلمة "الزعيم" –أو غيرها- لم نقصد بها التقليل من قيمة الشخص أو الاستهزاء، وإنما نعني مثلا بـ "الزعيم" الدور الذي يلعبه (الدوتشي أو الكاوديو) في الأحزاب ذات الطابع الفاشي، حيث يسبق الادلوجة، وهو مصدرها في كل حزب. كما أن "الزعيم" في هذه الأحزاب يرفع إلى درجة "صوفية" وكما يقول طوغلياطي :إن الفاشية ليست لها ادلوجة ثابتة محددة وجاهزة، وليست شيئا ممنهجا قبل الزعيم، بل إن هذا الأخير هو الذي يخلق هذه الادلوجة. وهذه الظاهرة عند الأحزاب الفاشية أكدها سيرخيو فيلار عند تعرضه للإديولوجيات الفرانكوية الفاشية.
- -أنظر حزب الإصلاح .. (الجزء الأول) – مجلة الثقافة الجديدة – ع18.